قوله تعالى :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ﴾.
معنى قضينا ها هنا : أخبرنا.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن معناه حكمنا، قاله قتادة.
ومعنى قوله :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل ﴾ أي قضينا عليهم.
﴿ لتفسدن في الأرض مرتين ﴾ الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً، وإخراب ديارهم بغياً. وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان :
أحدهما : أنه زكريا قاله ابن عباس.
الثاني : أنه شعياً، قاله ابن إسحاق، وأن زكريا مات حتف أنفه.
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل : وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر.
﴿ فإذا جاء وعْد أولاهما ﴾ يعني أولى المرتين من فسادهم.
﴿ بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ ﴾ في قوله بعثنا وجهان :
أحدهما : خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم، قاله الحسن.
الثاني : أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم.
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل :
أحدها : جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه بختنصر، وهو قول سعيد بن المسيب.
الثالث : أنه سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنهم العمالقة وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
الخامس : أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم، وهو قول مجاهد.
﴿... فجاسوا خلال الديار ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر.
الثاني : معناه فداسوا خلال الديار، ومنه قول الشاعر :
إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ... الثالث : معناه فقتولهم بين الدور والمساكن، ومنه قول حسان بن ثابت :
ومِنَّا الَّذِي لاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ | فَجَاس بهِ الأَعْدَاءَ عَرْضَ العَسَاكر |
الخامس : معناه نزلوا خلال الديار، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر :
فَجُسنا ديارهم عَنْوَةً | وأبنا بساداتهم موثَقينا |
أحدها : أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال. الثاني : أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى، وردّ ما في يده من الأموال.
الثالث : أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود.
﴿ وأمددناكم بأموالٍ وبنين ﴾ بتجديد النعمة عليهم.
﴿ وجعلناكم أكثر نفيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أكثر عزاً وجاهاً منهم.
الثاني : أكثر عدداً، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم، قال تُبع بن بكر :
فأكرِم بقحْطَانَ مِن وَالِدٍ | وحِمْيَرَ أَكْرِم بقَوْمٍ نَفِيراً |
قوله تعالى :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ﴾ لأن الجزاء بالثواب يعود إليها، فصار ذلك إحساناً لها.
﴿ وإن أسأتُم فلها ﴾ أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة.
ثم قال تعالى :﴿ فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم ﴾ يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية. وفيمن جاءهم فيها قولان : أحدهما : بختنصّر، قاله مجاهد.