قوله تعالى ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : قد سمعنا هذا منكم ولا نطيعكم.
والثاني : قد سمعنا قبل هذا مثله فماذا أغناكم.
﴿ لَوْ نَشَآءَ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : مثل هذا في النظم والبيان معارضة له في الإعجاز.
والثاني : مثل هذا في الاحتجاج معارضة له في الاستدعاء إلى الكفر.
﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ يعني أحاديث الأولين ويحتمل وجهين :
أحدهما : أنه قصص من مضى وأخبار من تقدم.
والثاني : أنه مأخوذ عمن تقدم وليس بوحي من الله تعالى.
وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، وقد قلته النبي ﷺ صبراً في جملة ثلاثة من قريش : عقبه بن أبي معيط، والمطعم بن عدي، والنضر بن الحارث وكان أسير المقداد، فلما أمر رسول الله ﷺ بقتل النضر قال المقداد : أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ :« اللَّهُمْ أَعِنِ المِقْدَادَ »، فقال : هذا أردت. وفيه أنزل الله تعالى الآية التي بعدها.
﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّْ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حَجَارَةً مِنَ السَّمَآءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وفي هذا القول وجهان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك عناداً للحق وبغضاً للرسول ﷺ.
والثاني : أنهم قالوا ذلك اعتقاداً أنه ليس بحق. وفيهم نزل قوله تعالى ﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [ المعارج : ١ ] وفيهم نزل قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا ﴾ [ ص : ١٦ ]. قال عطاء : لقد نزلت في النضر بضع عشرة آية من كتاب الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه قال ذلك إكراماً لنبيه وتعظيماً لقدره أن يعذب قوماً هو بينهم. تعظيماً لحرمته.
والثاني : إرساله فيهم رحمة لهم ونعمة عليهم فلم يجز أن يعذبهم وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة بإخراجه عنهم.
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : وما كان الله ليعذب مشركي أهل مكة وقد بقي فيهم من المسلمين قوم يستغفرون وهذا قول الضحاك وأبي مالك وعطية.
والثاني : لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون فيها فيقولون : غفرانك.
قال ابن عباس : كان المشركون بمكة يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك لبيك لا شريك لك، فيقول النبي ﷺ :« قَدْ قَدْ » فيقولون : إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، ويقولون غفرانك، فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ قاله أبو موسى ويزيد بن رومان ومحمد بن قيس.
والثالث : أن الاستغفار في هذا الموضع الإسلام، ومعنى الكلام : وما كان الله معذبهم وهم يسلمون، قاله عكرمة ومجاهد.
والرابع : وما كان الله معذب من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام، قاله ابن عباس.
والخامس : معناه أنهم لو استغفروا لم يعذبوا استدعاء لهم إلى الاستغفار، قاله قتادة والسدي وابن زيد.
والسادس : وما كان الله معذبهم أي مهلكهم وقد علم أن لهم أولاد وذرية يؤمنون ويستغفرون.


الصفحة التالية
Icon