قوله تعالى ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ﴾ وهذا نزل في أسرى بدر حين استقر رأي النبي ﷺ فيهم بعد مشاورة أصحابه على الفداء بالمال، كل أسير بأربعة آلاف درهم، فأنكر الله تعالى ذلك عليه وأنه ما كان له أن يفادي الأسرى.
﴿ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما هو الغلبة والاستيلاء، قاله السدي.
والثاني : هو كثرة القتل ليُعزَّ به المسلمون ويذل به المشركين. قاله مجاهد.
﴿ يُرِيدُونَ عَرَضَ الْدُّنْيَا ﴾ يعني المال، سماه عرضاً لقلة بقائه.
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الأَخِرَةَ ﴾ يعني العمل بما يوجب ثواب الآخرة.
﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ يعني ما أخذتموه من المال في فداء أسرى بدر.
وفي قوله ﴿ لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر أن يعذبهم لمسهم فيما أخذوه من فداء أسرى بدر عذاب عظيم، قاله مجاهد وسعيد بن جبير.
والثاني : لولا كتاب من الله سبق في أنه سيحل لكم الغنائم لمسكم في تعجلها من أهل بدر عذاب عظيم، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وعبيدة.
والثالث : لولا كتاب من الله سبق أن لا يؤاخذ أحداً بعمل أتاه على جهالة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، قاله ابن اسحاق.
والرابع : لولا كتاب من الله سبق وهو القرآن الذي آمنتم به المقتضي غفران الصغائر لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وكان النبي ﷺ شاور أبا بكر وعمر في أسرى بدر فقال أبو بكر : هم قومك وعشيرتك فاستبقهم لعل الله أن يهديهم، وقال عمر : هم أعداء الله وأعداء رسوله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فمال رسول الله ﷺ، بعد انصرافه عنهم إلى قول أبي بكر وأخذ فدء الأسرى ليتقوى به المسلمون، وقال :« أَنتُم عَالَةٌ بعيني المُهَاجِرِينَ » فلما نزلت هذه الآية قال النبي ﷺ :« لَو عُذِّبْنَا فِي هَذَا الأمْرِ يَا عُمَرُ لَمَا نَجَا غَيْرُكَ » ثم إن الله تعالى بيَّن تحليل الغنائم والفداء بقوله ﴿ فَكُلُوْا مِمَّا غَنِمْتُمْ حََلاَلاً طَيِّباً ﴾.