قوله تعالى :﴿... وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد المسجد نفسه، ومعنى قوله :﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ﴾ أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم.
﴿ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ﴾ وهو المقيم، ﴿ وَالْبَادِ ﴾ وهو الطارىء إليه، وهذا قول ابن عباس.
والقول الثاني : أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، وعلى هذا في قوله :
﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ وجهان
: أحدهما : أنهم سواء في دوره ومنازله، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر، وهذا قول مجاهد ومَنْ منع بيع دور مكة كأبي حنيفة.
والثاني : أنهما سواء في أن من دخله كان آمناً، وأنه لا يقتل بها صيداً ولا يعضد بها شجراً.
﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ والإِلحاد : الميل عن الحق والباء في قوله :﴿ بِإِلْحَادٍ ﴾ زائدة كزيادتها في قوله تعالى :﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ [ المؤمنون : ٢٠ ] ومثلها في قول الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج | نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ |
. وفي الإِلحاد بالظلم أربعة تأويلات :
أحدها : أنه الشرك بالله بأن يعبد فيه غير الله، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
والثاني : أنه استحلال الحرام فيه، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : استحلال الحرام متعمداً، وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنه احتكار الطعام بمكة، وهذا قول حسان بن ثابت.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله ﷺ عن عمرته عام الحديبية.