قوله تعالى :﴿ وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ﴾ فيها ثلاثة أوجه
: أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكها.
والثاني : غائرة الماء.
والثالث : معطلة من دلالتها وأرشيتها.
﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي، ومنه قول امرىء القيس :

وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ ولا أطماً إلا مشيراً بجندل
والثاني : أن المشيد الرفيع، وهو قول قتادة، ومنه قول عدي بن زيد :
شاده مرمراً وجلله كل ساً فللطير في ذراه وُكورُ
والثالث : أن المشيد المجصص، والشيد الجص، وهو قول عكرمة ومجاهد ومنه قول الطرماح :
كحية الماء بين الطين والشيد... وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء.
قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ هذا يدل على أمرين : على أن العقل علم، ويدل على أن محله القلب.
وفي قوله :﴿ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : يعملون بها، لأن الأعين تبصر والقلوب تصير.
﴿ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة.
﴿ فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ ﴾ يحتمل عندي وجهين :
أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء.
والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار.
قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة.


الصفحة التالية
Icon