قوله تعالى :﴿ وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : أن يكون وعيداً بما له عند الله من العقاب.
الثاني : أريد به تكذيب المؤمنين الذي يصدقون ما أنزل الله من كتاب.
واختلف هل حد النبي ﷺ أصحاب الإِفك على قولين :
أحدهما : أنه لم يحدّ أحداً منهم لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو بينة ولم يتعبدنا الله أن نقيمها بإخباره عنها كما لم يتعبدنا بقتل المنافقين وإن أخبر بكفرهم.
والقول الثاني : أن النبي ﷺ حد في الإِفك حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت حجش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة رواه عروة بن الزبير وابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها فقال بعض شعراء المسلمين :

لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنةُ إذ قالا هجيراً ومسطح
وابن سلول ذاق في الحدّ خزيه كما خاض في إفك من القول يفصح
تعاطوْا برجم الغيب زوج نبيّهم وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا
وآذواْ رسول الله فيها فجللوا مخازي تبقى عمموها وفضحواْ
فصبت عليهم محصدات كأنها شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
حكى مسروق أن حسان استأذن على عائشة فقلت أتأذنين له فقالت : أو ليس قد أصابه عذاب عظيم. فمن ذهب إلى أنهم حدوا زعم أنها أرادت بالعذاب بالعظيم الحد، ومن ذهب إلى أنهم لم يحدّوا زعم أنها أرادت بالعذاب العظيم ذهاب بصره، قاله سفيان. قال حسان بن ثابت يعتذر من الإفك :
حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ
فإن كنتُ قد قلتُ الذي بُلِّغْتُم فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أنامِلِي
فكيفَ ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتِي لآلِ رسُولِ اللَّهِ زَينِ المَحَافِلِ
قوله تعالى :﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : هو أن تتحدث به وتلقيه بين الناس حتى ينتشر.
الثاني : أن يتلقاه بالقبول إذا حدث به ولا ينكره. وحكى ابن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقرأ إذ تلِقونه بكسر اللام مخففة وفي تأويل هذه القراءة وجهان :
أحدهما : ترددونه، قاله اليزيدي.
الثاني : تسرعون في الكذب وغيره، ومنه قول الراجز :
............... جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ
أي تسرع.


الصفحة التالية
Icon