والثاني : أنها مأخوذة من الأرب وهو الحاجة، قاله قطرب.
ثم أقول : إن الصغير والكبير والمجبوب من هذه التأويلات المذكورة في وجوب ستر الزينة الباطنة منهم، وإباحة ما ظهر منها معهم كغيرهم، فأما الصغير فإن لم يظهر على عورات النساء ولم يميز من أحوالهن شيئاً فلا عورة للمرأة معه.
[ فإِن كان مميزاً غير بالغ ] لزم أن تستر المرأة منه ما بين سرتها وركبتها وفي لزوم ستر ما عداه وجهان :
أحدهما : لا يلزم لأن القلم غير جار عليه والتكليف له غير لازم.
والثاني : يلزم كالرجل لأنه قد يشتهي ويشتهى.
وفي معنى قوله تعالى :﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ﴾ ثلاثة أوجه :
الأول : لعدم شهوتهم.
والثاني : لم يعرفوا عورات النساء لعدم تمييزهم.
والثالث : لم يطيقوا جماع النساء.
وأما الشيخ فإن بقيت فيه شهوة فهو كالشباب، فإن فقدها ففيه وجهان :
أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة والعورة معه ما بين السرة والركبة.
والثاني : أنها معه محرمة وجميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة، استدامة لحاله المتقدمة.
وأما المجبوب والخصي ففيهما لأصحابنا ثلاثة أوجه :
أحدها : استباحة الزينة الباطنة معهما.
والثاني : تحريمها عليهما.
والثالث : إباحتها للمجبوب وتحريمها على الخصي.
والعورة إنما سميت بذلك لقبح ظهورها وغض البصر عنها، مأخوذ من عور العين.
ثم قال تعالى :﴿ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾ قال قتادة : كانت المرأة إذا مشت تضرب برجلها ليسمع قعقعة خلخالها، فنهين عن ذلك.
ويحتمل فعلهن ذلك أمرين : فإما أن يفعلن ذلك فرحاً بزينتهن ومرحاً وإما تعرضاً للرجال وتبرجاً، فإن كان الثاني فالمنع منه حتم، وإن كان الأول فالمنع منه ندب.