وإن دعا العبد إليها ففي إجبار السيد عليها إذ علم فيه خيراً مذهبان :
أحدهما : وهو قول عطاء، وداود، يجب على السيد مكاتبته ويجبر إن أبى.
الثاني : وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أنه يستحب له ولا يجبر عليه فإذا انعقدت الكتابة لزمت من جهة السيد وكان المكاتب فيها مخيراً بين المقام والفسخ.
﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ خمسة تأويلات
: أحدها : أن الخير، القدرة على الاحتراف والكسب، قاله ابن عمر وابن عباس.
الثاني : أن الخير : المال، قاله عطاء ومجاهد.
الثالث : أنه الدين والأمانة، قاله الحسن.
الرابع : أنه الوفاء والصدق، قاله قتادة وطاووس.
الخامس : أنه الكسب والأمانة، قاله الشافعي.
﴿ وءَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : يعني من مال الزكاة من سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد. ولا يكره للسيد أخذه وإن كان غنياً، قاله الحسن، وإبراهيم وابن زيد.
الثاني : من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة.
واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب أبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب، وذهب الشافعي إلى وجوبه وبه قال عمر وعلي وابن عباس.
واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره فحكي عن علي أنه قدره بالربع من مال الكتابة، وذهب الشافعي إلى أنه غير مقدر، وبه قال ابن عباس.
وإن امتنع السيد منه طوعاً قضى الحاكم به عليه جبراً واجتهد رأيه في قدره، وحكم به في تركته إن مات، وحاص به الغرماء إن أفلس.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول الشافعي وأصحابه، وإذا عجز عن أداء نجم عند محله كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقاً، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه.
قال الكلبي وسبب نزول قوله تعالى :﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْراً ﴾ الآية؛ أن عبداً اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع حويطب فأنزل الله ذلك فيه.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ الفتيات الإماء، البغاء الزنى، والتحصن التعفف، ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففاً أو لم تُرِدْ.
وفي ذكر الإِكراه هنا وجهان :
أحدهما : لأن الإِكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه.
الثاني : أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطاً فيه، وهذا ما روى جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبي بن سلول كانت له أمة يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الزنى فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه فقال : ارجعي فازني على آخر : فقال : لا والله ما أنا براجعة وجاءت إلى النبي ﷺ فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية، وكان مستفيضاً من أفعال الجاهلين طلباً للولد والكسب.
﴿ لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي لتأخذوا أجورهن على الزنى
. ﴿ وَمَن يُكْرِههُّنَّ ﴾ يعني من السادة
. ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يعني للأمة المكرهة دون السيد المكرِه.