قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أََعَمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بقِيعَةٍ ﴾ أما السراب فهو الذي يخيل لمن رآه في الفلاة كأنه الماء الجاري قال الشاعر :
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُهُمْ | كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق |
﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ﴾ يعني العطشان يحسب السراب ماءً
. ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ وهذا مثل ضربه الله للكافر يعول على ثواب عمله فإذا قدم على الله وجد ثواب عمله بالكفر حابطاً.
﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : وجد أمر الله عند حشره.
الثاني : وجد الله عند عرضه.
﴿ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره.
والثاني : وجد الله عند وعيده فوفى بعذابه ويكون الحساب على الوجهين معاً محمولاً على العمل، كما قال امرؤ القيس :
فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ | أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا |
: أحدهما : لأن حسابه آت وكل آت سريع.
الثاني : لأنه يحاسب جميع الخلق في وقت سريع.
قيل إن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإِسلام.
قوله :﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾ الظلمات : ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
وفي قوله لجيّ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه البحر الواسع الذي لا يرى ساحله، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنه البحر الكثير الموج، قاله الكلبي.
الثالث : أنه البحر العميق، وهذا قول قتادة، ولجة البحر وسطه، ومنه ما روي عن النبي ﷺ أنه قال :« مَنْ رَكِبَ البَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ » يعني إذا توسطه
. ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : يغشاه موج من فوق الموج ريح، من فوق الريح سحاب فيجمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب.
الثاني : معناه يغشاه موج من بعده فيكون المعنى الموج بعضه يتبع بعضاً حتى كأنه بعضه فوق بعض وهذا أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب، ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين :
أحدهما : أنه قد يغطي النجوم التي يهتدى بها.
الثاني : الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه.
﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : أن يريد الظلمات التي بدأ بذكرها وهي ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
الثاني : يعني بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض.
﴿ إِذَا أخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : معناه أنه رآها بعد أن كاد لا يراها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : لم يرها ولم يكد، قاله الزجاج، وهو معنى قول الحسن.