« قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّدِيقِ البَارِّ عِوَضَاً عَنِ الرَّحِمِ المَذْمُومَةِ » والمراد بالصديق الأصدقاء وهو واحد يعبر به عن الجميع، قال جرير :

دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا. . بأسهم أعداءٍ وهن صديقُ
وفي الصديق قولان
: أحدهما : أنه الذي صدقك عن مودته.
الثاني : أنه الذي يوافق باطنه باطنك كما وافق ظاهره ظاهرك.
ثم اختلفوا في نسخ ما تقدم ذكره بعد ثبوت حكمه على قولين :
أحدهما : أنه على ثبوته لم ينسخ شيء منه، قاله قتادة.
الثاني : أنه منسوخ بقوله تعالى :
﴿ لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ ﴾ الآية. ويقول النبي ﷺ :« لا يحل مَالُ امْرِىءْ مُسْلِمٍ إلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنهُ
»
قال تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنها نزلت في بني كنانة كان رجل منهم يرى أن مُحرَّماً عليه أن يأكل وحده في الجاهلية حتى أن الرجل ليسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل فيهم هذه الآية، قاله قتادة وابن جريج.
الثاني : أنها نزلت في قوم من العرب كان الرجل منهم إذا نزل به ضيف تحرج أن يتركه يأكل وحده حتى يأكل معه، فنزل ذلك فيهم، قال أبو صالح.
الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يتحرجون أن يأكلوا جميعاً ويعتقدون أنه ذنب ويأكل كل واحد منهم منفرداً، فنزل ذلك فيهم، حكاه النقاش.
الرابع : أنها نزلت في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون عن الأكل حتى يحضر، فنزل ذلك فيهم ترخيصاً للأكل جماعة وفرادى.
﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً ﴾ فيها قولان
: أحدهما : أنه المساجد.
الثاني : أنها جميع البيوت.
﴿ فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ فيه خمسة أقاويل
: أحدها : يعني إذا دخلتم بيوت أنفسكم فسلموا على أهاليكم وعيالكم، قاله جابر.
الثاني : إذا دخلتم المساجد فسلموا على من فيها، وهذا قول ابن عباس.
الثالث : إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم، قاله الحسن.
الرابع : إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهل دينكم، قاله السدي.
الخامس : إذا دخلتم بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم وهو أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قاله ابن عمر، وإبراهيم، وأبو مالك، وقيل : سلامه على نفسه أن يقول : السلام علينا من ربنا تحية من عند الله.
وإذا سلم الواحد من الجماعة أجزأ عن جميعهم، فإذا دخل الرجل مسجداً ذا جمع كثير سلم يسمع نفسه، وإذا كان ذا جمع قليل أسمعهم أو بعضهم.
قال الحسن : كان النساء يسلمن على الرجال ولا يسلم الرجال على النساء، وكان ابن عمر يسلم على النساء، ولو قيل لا يسلم أحد الفريقين على الآخر كان أولى لأن السلام مواصلة.
﴿ تَحِيَّةً مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ فيه أربعة أقاويل
: أحدها : يعني أن السلام اسم من أسماء الله تعالى.
الثاني : أن التحية بالسلام من أوامر الله.
الثالث : أن الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله.
الرابع : أن الملائكة ترد عليه فيكون ثواباً من عند الله.
﴿ مُبَارَكَةً ﴾ فيها وجهان
: أحدهما : لما فيها من الثواب الجزيل.
الثاني : لما يرجى من ثواب الدعاء.
﴿ طَيِّبَةً ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : لما فيها من طيب العيش بالتواصل.
الثاني : لما فيها من طيب الذكر والشأن.


الصفحة التالية
Icon