قوله تعالى ﴿ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : حين أشرقت الشمس بالشعاع، قاله السدي.
الثاني : حين أشرقت الأرض بالضياء، قاله قتادة.
الثالث : أي بناحية المشرق، قاله أبو عبيدة.
قال الزجاج : يقال شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت.
واختلف في تأخر فرعون وقومه عن موسى وبني إسرائيل حتى أشرقوا على قولين :
أحدهما : لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء في تلك الليلة وقع فيهم.
الثاني : لأن سحابة أظلتهم فخافوا وأصبحوا، فانقشعت عنهم.
وقرىء ﴿ مُشَرِّقِينَ ﴾ بالتشديد أي نحو المشرق، مأخوذ من قولهم شرّق وغرّب، إذا سار نحو المشرق والمغرب.
﴿ قَالَ : كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أي سيرشدني إلى الطريق.
الثاني : معناه سيكفيني، قاله السدي.
و ﴿ كَلاَّ ﴾ كلمة توضع للردع والزجر، وحكي أن موسى لما خرج ببني إسرائيل من مصر أظلم عليهم القمر فقال لقومه : ما هذا؟ فقال علماؤهم : إن يوسف لما حضره الموت أخذ عليها موثقاً من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال موسى فأيكم يدري أين قبره؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل فأرسل إليها فقال : دلِّيني على قبر يوسف، قالت : لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي، قال : وما حكمك؟ قالت : حكمي أن أكون معك في الجنة فثقل عليه فقيل له أعطاها حكمها فدلتهم عله فاحتفروه واستخرجوا عظامه، فلما ألقوها فإذا الطريق مثل ضوء النهار. فروى أبو بردة عن أبي موسى : أن النبي ﷺ نزل بأعرابي فأكرمه فقال رسول الله ﷺ :« حَاجَتُكَ » قاله له : ناقة أرحلها وأعنزاً أحلبها فقال رسول الله ﷺ :« أَعَجَزْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائيلَ » فقال الصحابة : وما عجوز بني إسرائيل فَذَكَرَ لَهُم حَالَ هَذِهِ العَجُوزِ الَّتِي حَكَمَت عَلَى مُوسَى أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ.
قوله تعالى :﴿ فأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ ﴾ روى عكرمة عن ابن عباس أن موسى لما بلغ البحر واتبعه فرعون قاله له فتاهُ يوسع بن نون : أين أمرك ربك؟ قال : أمامك، يشير إلى البحر، ثم ذكر أنه أمر أن يضرب بعصاه البحر فضربه، فانفلق له اثنا عشر طريقاً وكانوا اثني عشر سبطاً لكل سبط طريق، عرض كل طريق فرسخان.
وقال سعيد بن جبير : كان البحر ساكناً لا يتحرك، فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر.
وحكى النقاش : أن موسى ضرب بعصاه البحر وقد مضى من النهار أربع ساعات، وكان يوم الاثنين عاشر المحرم وهو يوم عاشوراء، قال : والبحر هو نهر النيل ما بين إيلة ومصر وقطعوه في ساعتين، فصارت ست ساعات.
﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ أي كالجبل العظيم، قاله امرؤ القيس

فبينا المرءُ في الأحياء طُوْدٌ رماه الناس عن كَثَبٍ فمالا
وكان الأسباط لا يرى بعضهم بعضاً فقال كل سبط : قد هلك أصحابنا فدعا موسى ربه فجعل في كل حاجز مثل الكوى حتى رأى بعضهم بعضاً.
قوله تعالى :﴿ وَأَرْلَفْنَا ثَمَّ الأَخَرِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : قربنا إلى البحر فرعون وقومه، قاله ابن عباس : وقتادة، ومنه قول الشاعر :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت فيه النفوس إلى الآجال تزدلف
الثاني : جمعنا فرعون وقومه في البحر، قاله أبو عبيدة، وحكي عن أُبي وابن عباس أنهما قرآ :﴿ وَأَزْلَقْنَا ﴾ بالقاف من زلق الأقدام، كأقدام فرعون أغرقهم الله تعالى في البحر حتى أزلقهم في طينه الذي في قعره.


الصفحة التالية
Icon