﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه كان رؤيا منام، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين، حكاه قطرب.
﴿ أَنْ أَرْضِعِيه ﴾ قال مجاهد : كان الوحي بالرضاع قبل الولادة، وقال غيره بعدها.
﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل
. ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾ واليم : البحر وهو النيل
. ﴿ وَلاَ تَخافِي ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : لا تخافي عليه الغرق، قاله ابن زيد.
الثاني : لا تخافي عليه الضيعة، قاله يحيى بن سلامة.
﴿ وَلاَ تَحْزَنِي ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : لا تحزني على فراقه، قاله ابن زيد.
الثاني : لا تحزني أن يقتل، قال يحيى بن سلام.
فقيل : إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي. وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون.
قال ابن عباس : فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه، فقال الله :﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ... ﴾ الآية، حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد :
استغفر الله لذنبي كله | قبلت إنساناً بغير حلّه |
مثل الغزال ناعماً في دَله | فانتصف الليل ولم أُصله |
قوله ﴿ فَالتْقَطَهُ ءَآلُ فِرْعَوْنَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس.
الثاني : أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت : هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً ﴾ أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره ولم يكن لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر :
وللمنايا تربي كل مرضعةٍ | ودورنا لخراب الدهر نبنيها. |
﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ فقال فرعون : قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله ﷺ :« وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ
» وفي قرة العين وجهان
: أحدهما : أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد.
الثاني : أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه.