قوله تعالى :﴿ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ ﴾ قال ابن عباس : فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفّلا بطاناً فقال لهما : إن لكما اليوم لشأناً فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء، وفيه قولان :
أحدهما : أنه استتارها بكم درعها، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الثاني : أنه بعدها من النداء، قاله الحسن.
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء.
الثاني : لأنها كانت رسولة أبيها.
الثالث : ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خَرَّاجة ولاّجة.
﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ﴾ وفي أبيها قولان
: أحدهما : أنه شعيب النبي عليه السلام.
الثاني : أنه يثرون ابن أخي شعيب، قاله أبو عبيدة والكلبي.
وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها : صفوريا. واسم الأخرى فيه قولان :
إحدهما : ليا، قاله ابن اسحاق.
الثاني : شرفا، قاله ابن جرير.
﴿ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ أي ليكافئك على ما سقيت لنا فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت.
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ﴾ أي أخبره بخبره مع آل فرعون
. ﴿ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ قال ابن عباس : يعني أنه ليس لفرعون وقومه عليّ سلطان ولسنا في مملكته.
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ أَسْتَأْجِرْهُ ﴾ والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم.
﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس.
الثاني : القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت : أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى.
قوله تعالى :﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال : فأيهما تريد أن تنكحني؟ قال : التي دعتك، قال : لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال : هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا.
﴿ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حَجَجٍ ﴾ يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها، والعمل رعي الغنم.
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين :
أحدهما : أنها صداق المنكوحة.
الثاني : أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً.
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : من الصالحين في حسن الصحبة. قاله ابن إسحاق.
الثاني : فيما وعده به.
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلىموسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ ﴾ قال السدي : لا سبيل عليّ.
﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : قول السدي : شهيد.
الثاني : حفيظ، قاله قتادة.
الثالث : رقيب، قاله ابن شجرة.
فروي أن النبي ﷺ قال :« إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا
».