قوله :﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان :
أحدهما : لما تضمنتها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود.
الثاني : مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة، ومنه قول النبي ﷺ « تَكُونُ لَكُم سَبْحَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ » أي صلاة.
وقوله :﴿ حِينَ تُمْسُونَ ﴾ أي صلاة المغرب والعشاء، قاله ابن عباس وابن جبير والضحاك. ﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ صلاة الصبح في قولهم أيضاً.
﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : الحمد لله على نعمه وآلائه.
الثاني : الصلاة لاختصاصها بقراءة الحمد في الفاتحة.
﴿ وَعَشِّياً ﴾ يعني صلاة العصر
. ﴿ وَحِينَ تَظْهِرُونَ ﴾ يعني صلاة الظهر وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل.
والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس، وقد روى سفيان عن عاصم أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد في كتاب الله الصلوات الخمس؟ فقرأ هذه الآية.
قال يحيى ابن سلام : كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله ﷺ فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة، قال : وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة.
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي، قاله ابن مسعود وابن عباس وأبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وابن جبير.
الثاني : يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري، ورواه الأسود بن عبد يغوث عن النبي ﷺ.
الثالث : يخرج الدجاجة من البيضة ويخرج البيضة من الدجاج، قاله عكرمة.
الرابع : يخرج النخلة من النواة ويخرج النواة من النخلة؛ والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة، قاله ابن مالك والسدي.
ويحتمل خامساً : يخرج الفطن اللبيب من العاجز البليد ويخرج العاجز البليد من الفطن اللبيب.
﴿ وَيُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ يعني بالنبات لأنه حياة أهلها فصار حياة لها
. ويحتمل ثانياً : أنه كثرة أهلها لأنهم يحيون مواتها ويعمرون خرابها.
﴿ وَكَذِلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات وأحيا الموتى كذلك يحييكم بالبعث. وفي هذا دليل على صحة القياس.