قوله تعالى :﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْل الْكِتَابِ ﴾ هم بنو قريظة من اليهود ظاهرواْ أبا سفيان ومجموعة من الأحزاب على رسول الله ﷺ أي عاونوه والمظاهرة هي المعاونة. وكان بينهم وبين رسول الله ﷺ عهد فنقضوه فغزاهم بعد ستة عشر يوماً من الخندق قال قتادة نزل عليه جبريل وهو عند زينب بنت جحش يغسل رأسه فقال عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهد إلى بني قريظة فإني قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فسار إليهم فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة حتى نزلوا على التحكيم في أنفسهم.
وفيمن نزلوا على حكمه قولان :
أحدهما : أنهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل مقاتلوهم ويسبى ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه : آثرت المهاجرين بالعقار علينا، فقال : إنكم ذوو عقار وليس للمهاجرين فكبّر رسول الله ﷺ وقال « قُضِيَ فِيهِم بِحُكْمِ اللَّهِ » قاله قتادة
. الثاني : أنهم نزلوا على حكم رسول الله ﷺ ولم يحكموا سعداً لكن أرسل رسول الله ﷺ إلى سعد فقال :« أَشِر عَلَيَّ فِيهِم » فقال : لو وليتني أمرهم لقتلت مقاتليهم ولسبيت ذراريهم ولقسمت أموالهم فقال :« وَالَّذِي نَفْسِ بِيَدِهِ لََقَدْ أَشَرتَ عَلَيَّ فِيهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ » وروي ذلك عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبيه.
﴿ مِن صَيَاصِيهِمْ ﴾ من حصونهم قال الشاعر

فأصبحت النسوان عقرى وأصبحت نساء تميم يبتدرْن الصياصيا.
وسميت بذلك لامتناعهم بها، ومنه سميت قرون البقر صياصي لامتناعها بها، وسميت شوكة الديك التي في ساقه صيصية.
﴿ وَقَذَفَ فِي قُُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ قال قتادة بصنيع جبريل بهم
. ﴿ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ﴾ حكى عطية القرظي أنهم عُرضوا على النبي ﷺ يوم بني قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي فتركت فقيل إنه قتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله بقوله ﴿ فَرِيقاً تقتلون ﴾ وسبي سبعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله ﴿ وتأسرون فريقاً ﴾ وقال قتادة : قتل أربعمائة وسبى سبعمائة.
﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُم وَأَمْوَالَهُم ﴾ يريد بالأرض النخل والمزارع، وبالدبار المنازل وبالأموال المنقولة.
﴿ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُوهَا ﴾ فيها أربعة أقاويل
: أحدها : أنها مكة، قاله قتادة.
الثاني : خيبر، قاله السدي وابن زيد.
الثالث : فارس والروم، قاله الحسن.
الرابع : ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ علََى كُلِّ شَيءٍ قَدِيراً ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قديرٌ، قاله ابن اسحاق.
الثاني : على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى، قدير، قاله النقاش.


الصفحة التالية
Icon