﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أن الكتاب هو القرآن، ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم.
الثاني : أن إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث انتقال الشيء من قوم إلى قوم.
وفي ﴿ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبادِنَا ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الأنبياء، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنهم بنو إسرائيل لقوله تعالى :﴿ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً ﴾ [ آل عمران : ٣٣ ] الآية. قاله ابن بحر.
الثالث : أمة محمد ﷺ. قاله الكلبي.
﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ كلام مبتدأ لا يرجع إلى المصطفين، وهذا قول من تأول المصطفين الأنبياء، فيكون من عداهم ثلاثة أصناف على ما بينهم.
الثاني : أنه راجع إلى تفصيل أحوال الذين اصطفينا، ومعنى الاصطفاء الاختيار وهذا قول من تأول المصطفين غير الأنبياء، فجعلهم ثلاثة أصناف.
فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه :
أحدها : أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
الثاني : أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، قاله السدي.
الثالث : أنهم المنافقون وهم مستثنون.
الرابع : أنهم أهل الكتاب، قاله الحسن.
الخامس : أنه الجاحد، قاله مجاهد.
وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء، روى ابراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قرأ هذه الآية فقال :« أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَاباً يَسِيراً، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فِيُحْصَرُ فِي طُولِ الحِبْسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ
» الثاني : أنهم أصحاب اليمين، قاله السدي
. الثالث : أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر.
الرابع : أنهم الذين اتبعوا سنن النبي ﷺ من بعده، قاله الحسن.
﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنهم المقربون، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى، وهو مأثور.
الثالث : أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات، قاله علي بن عيسى.
الرابع : أنه من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالجنة.
روى عقبة بن صهبان قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم من أهل الجنة، السابق من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالحياة والرزق، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.