﴿ إنك أنت الوهاب ﴾ أي المعطي، قال مقاتل : سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى، وقال الكلبي حكم سليمان في الحرث وهو ابن إحدى عشرة سنة، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة.
قوله تعالى :﴿ فسخرنا له الريح ﴾ أي ذللناها لطاعته.
﴿ تجري بأمره ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تحمل ما يأمرها.
الثاني : تجري إلى حيث يأمرها.
﴿ رخاء ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : طيبة، قاله مجاهد.
الثاني : سريعة، قاله قتادة.
الثالث : مطيعة، قاله الضحاك.
الرابع : لينة، قاله ابن زيد.
الخامس : ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة، قاله الحسن.
﴿ حيث أصاب ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حيث أراد، قاله مجاهد وقال قتادة : هو بلسان هجر. قال الأصمعي : العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب، أي أراد الصواب.
الثاني : حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود.
قوله تعالى :﴿ والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص ﴾ يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره.
﴿ وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في السلاسل : قاله قتادة.
الثاني : في الأغلال، قاله السدي.
الثالث : في الوثاق، قاله ابن عيسى، قال الشاعر :
فآبُوا بالنهابِ وبالسبايا | وأبنا بالملوك مُصَفّدينا |
لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل | لنال ذاك سليمان بن داوِد |
سالت له العين عين القطر فائضة | فيه ومنه عطاءٌ غير موصود |
لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً | حتى تضمن رمْساً بعد أخدود |
هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع | إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود |
أحدها : ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين.
فعلى هذا في قوله ﴿ فامنن أو أمسك بغير حساب ﴾ وجهان :
أحدهما : امنن على من شئت من الجن بإطلاقه، أو امسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم، قاله قتادة والسدي.
الثاني : اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم.
﴿ بغير حساب ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى.
الثاني : بغير حرج، قاله مجاهد.
الثالث : بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول :﴿ هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ﴾ وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ﴿ هذا عطاؤنا ﴾ الآية. قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب.