قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَؤُلآءِ لَيَقُولُونَ ﴾ يعني كفار قريش.
﴿ إن هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾ أي بمبعوثين قيل : إن قائل هذا أبو جهل قال : يا محمد إن كنت صادقاً في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما قصيّ بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً، لنسأله عما يكون بعد الموت وهذا القول من أبي جهل من أضعف الشبهات، لأن الإعادة إنما هي للجزاء لا للتكليف. فكأنه قال : إن كنت صادقاً في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف. وهو كقول قائل لو قال : إن كان ينشأ بعدنا قوم من الأبناء، فلم لا يرجع من مضى من الآباء.
قوله تعالى :﴿ أَهُمْ خَيرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً.
الثاني : أهم أعز وأشد أم قوم تبع.
وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حِمير سار بالجيوش حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها. وحكي لنا أنه كان إذا كتب؛ كتب باسم الله الذي سما وملك براً وبحراً وضحاً وريحاً.
وروي عن عمرو بن رجاء عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ قال : لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم. وحكى ابن قتيبة في المعارف شعراً ذكر أنه لتبع وهو :

منح البقاءَ تقلبُ الشمسِ وطلوعها من حيث لا تُمْسِي
وشروقها بيضاء صافية وغروبُها حمراءَ كالورْسِ
وتشتت الأهواءِ أزعجني سيراً لأبلغ مطلع الشمسِ
ولرب مطعمةٍ يعود لها رأي الحليم إلى شفا لبسِ
وفي تسميته تبعاً قولان :
أحدهما : لأنه تَبعَ من قبله من ملوك اليمن كما قيل خليفة لأنه خلف من قبله.
الثاني : لأنه اسم لملوك اليمن.
وذم الله قومه ولم يذمه، وضرب بهم مثلاً لقريش لقربهم من دارهم، وعظمهم في نفوسهم، فلما أهلكهم الله ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك.


الصفحة التالية
Icon