قوله تعالى :﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لكُمَا أَتَعِدَانَنِي أَنْ أُخْرَجَ ﴾ : أي أبعث.
﴿ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي ﴾ فلم يبعثوا. وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأمه أم رومان. يدعوانه إلى الإسلام ويعدانه بالبعث فيرد عليهما بما حكاه الله عنه، وكان هذا منه قبل إسلامه، قاله السدي.
قال السدي : فلقد رأيت عبد الرحمن بن أبي بكر بالمدينة، وما بالمدينة أَعْبَدُ منه، ولقد استجاب الله فيه دعوة أبي بكر رضي الله عنه، ولما أسلم وحسن إسلامه، نزلت توبته في هذه الآية ﴿ وَلِكُلِّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ ﴾.
الثاني : أنها نزلت في عبد الله بن أبي بكر، وكان يدعوه أبواه إلى الإسلام فيجيبهما بما أخبر الله تعالى، قاله مجاهد.
الثالث : أنها نزلت في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِم الْقَوْلُ ﴾ والعرب قد تذكر الواحد وتريد به الجمع وهذا معنى قول الحسن. فأما ال ﴿ أُفٍّ ﴾ فهي كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد. قال الشاعر :

ما يذكر الدهر إلا قلت أف له إذا لقيتك لولا قال لي لاقي
وفي أصل الأف والتف ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الأف وسخ الأذن، والتف وسخ الأنف.
الثاني : الأف وسخ الأظفار، والتف الذي يكون في أصول الأظافر.
الثالث : أن الأف العليل الأنف، والتف الإبعاد.
﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّه ﴾ أي يدعوان الله : اللهم اهده، اللهم اقبل بقلبه، اللهم اغفر له.
﴿ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ في الثواب على الإيمان، والعقاب على الكفر.
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : معناه أذهبتم طيباتكم في الآخرة بمعاصيكم في الدنيا.
الثاني : ألهتكم الشهوات عن الأعمال الصالحة.
الثالث : أذهبتم لذة طيباتكم في الدنيا بما استوجبتموه من عقاب معاصيكم في الآخرة.
الرابع : معناه اقتنعتم بعاجل الطيبات في الدنيا بدلاً من آجل الطيبات في الآخرة.
وروى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكباداً وأسنمة وصلاء وصناباً وسلائق، ولكن أستبقي حسناتي، فإن الله تعالى وصف قوماً فقال :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ والصلاء، والشواء، والصناب الأصبغة والسلائق الرقاق العريض.
وقال ابن بحر فيه تأويل خامس : أن الطيبات : الشباب والقوة، مأخوذ من قولهم : ذهب أطيباه أي شبابه وقوته. ووجدت الضحاك قاله أيضاً.
﴿ وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالدنيا.
الثاني : بالطيبات.
﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَونَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ قال مجاهد : الهون الهوان. قال قتادة بلغة قريش.
﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : تستعلون على أهلها بغير استحقاق.
الثاني : تتغلبون على أهلها بغير دين.
الثالث : تعصون الله فيها بغير طاعة.
﴿ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تفسقون في أعمالكم بغياً وظلماً.
الثاني : في اعتقادكم كفراً وشركاً.


الصفحة التالية
Icon