قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ ﴾ يعني ظن السوء. بالمسلم توهماً من غير تعلمه يقيناً.
﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني ظن السوء.
الثاني : أن يتكلم بما ظنه فيكون إثماً، فإن لم يتكلم به لم يكن إثماً، قاله مقاتل بن حيان.
﴿ وَلاَ تَجَسَّسُوا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هو أن يتبع عثرات المؤمن، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني : هو البحث عم خفي حتى يظهر، قاله الأوزاعي.
وفي التجسس والتحسس وجهان :
أحدهما : أن معناهما واحد، قاله ابن عباس وقرأ الحسن بالحاء. وقال الشاعر :
تجنبت سعدى أن تشيد بذكرها | إذا زرت سعدى الكاشح المتحسس |
والوجه الثاني : أنهما مختلفان. وفي الفرق بينهما وجهان :
أحدهما : أن التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور وبالحاء هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه.
الثاني : أنه بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره. والتجسس أن يجس الأخبار لنفسه ولغيره.
﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ﴾ والغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب، قال الحسن : الغيبة ثلاثة كلها في كتاب الله : الغيبة والإفك والبهتان، فأما الغيبة، فأن تقول في أخيك ما هو فيه. وإما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله ﷺ عن الغيبة قال :« هُوَ أَن تَقُولَ لأَخِيكَ مَا فِيهِ فَإِن كُنتَ صَادِقَاً فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِن كُنتَ كَاذِباً فَقَدْ بَهَّتَّهُ ».
﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي كما يحرم أكل لحمه ميتاً يحرم غيبته حياً.
الثاني : كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته حياً، قاله قتادة. واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية قال الشاعر :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم | وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
أحدهما : فكرهتم أكل الميتة، كذلك فاكرهوا الغيبة.
الثاني : فكرهتم أن يعلم بكم الناس فاكرهوا غيبة الناس.