﴿ أَفَرَءيْتُمُ اللاَّت وَالْعُزَّى ﴾ أما اللات فقد كان الأعمش يشددها، وسائر القراء على تخفيفها، فمن خففها فلهم فيها قولان :
أحدهما : أنه كان صنماً بالطائف زعموا أن صاحبه كان يلت عليه السويق لأصحابه، قاله السدي.
الثاني : أنه صخرة يلت عليها السويق بين مكة والطائف، قاله عكرمة. وأما من شددها فلهم فيها قولان :
أحدهما : أنه كان رجلاً يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن معبوده، ثم مات فقلبوه على قبره، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني : أنه كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف قاله السدي، وقيل إنه عامر بن ظرب العدواني ثم اتخذوا قبره وثناً معبوداً، قال الشاعر :

لا تنصروا اللات إن الله مهلكها وكيف ينصركم من ليس ينتصر.
وأما ﴿ الْعُزَّى ﴾ ففيه قولان :
أحدهما : أنه صنم كانوا يعبدونه، قاله الجمهور.
الثاني : أنها شجرة كان يعلق عليها ألوان العهن تعبدها سليم، وغطفان، وجشم، قال مقاتل : وهي سمرة، قاله الكلبي : هي التي بعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد حتى قطعها، وقال أبو صالح : بل كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن.
وقيل في اللات والعزى قول ثالث : أنهما كانا بيتين يعبدهما المشركون في الجاهلية، فاللات بيت كان بنخلة يعبده كفار قريش، والعزى بيت كان بالطائف يعبده أهل مكة والطائف.
﴿ وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كان صنماً بقديد بين مكة والمدينة، قاله أبو صالح.
الثاني : أنه بيت كان بالمسلك يعبده بنو كعب.
الثالث : أنها أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها.
الرابع : أنه وثن كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه، وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق بها من الدماء.
وإنما قال : مناة الثالثة الأخرى، لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى، وروى سعيد بن جبير وأبو العالية الرياحي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي ﷺ ﴿ أَفََرأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾ الآية. ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم ترتجى، وفي رواية أبي العالية : وشفاعتهم ترتضى ومثلهم لا ينسى، ففرح المشركون وقالوا : قد ذكر آلهتنا، فنزل جبريل فقال : أعرض عليّ ما جئتك به فعرض عليه، فقال : لم آتك أنا بهذا وهذا من الشيطان، فأنزل الله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُوْلٍ وَلاَ نَبِّيٍ إلاَّ إذا تََمَنَّى ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾.
﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى ﴾ حيث جعلوا الملائكة بنات الله.
﴿ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : قسمة عوجاء، قاله مجاهد.
الثاني : قسمة جائرة، قاله قتادة.
الثالث : قسمة منقوصة، قاله سفيان وأكثر أهل اللغة، قال الشاعر :
فإن تنأى عنا ننتقصك وإن تقم فقسمك مضئوز وأنفك راغم
ومعنى مضئوز أي منقوص.
الرابع : قسمة مخالفة، قاله ابن زيد.
﴿ أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من البنين أن يكونوا له دون البنات.
الثاني : من النبوة أن تكون فيه دون غيره.
﴿ فَلِلَّهِ الأخِرَةُ وَالأُولَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه أقدر من خلقه، فلو جاز أن يكون له ولد - كما نسبه إليه المشركون حين جعلوا له البنات دون البنين وتعالى عن ذلك علواً كبيراً - لكان بالبنين أحق منهم.
الثاني : أنه لا يعطي النبوة من تمناها، وإنما يعطيها من اختاره لها لأنه مالك السموات والأرض.


الصفحة التالية
Icon