﴿ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أن السعر الجنون، قاله ابن كامل.
الثاني : العناء، قاله قتادة.
الثالث : الافتراق، قاله السدي.
الرابع : التيه، قاله الضحاك.
الخامس : أنه جمع سعر وهو وقود النار، قاله ابن بحر وابن عيسى.
وعلى هذا التأويل في قولهم ذلك وجهان :
أحدهما : أنهم قالوه لعظم ما نالهم أن يتبعوا رجلاً واحداً منهم، كما يقول الرجل إذا ناله خطب عظيم : أنا في النار.
الثاني : أنهم لما أوعدوا على تكذيبه ومخالفته بالنار ردوا مثل ما قيل لهم إنّا لو اتبعنا رجلاً مثلنا واحداً كنا إذاً في النار.
﴿ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الأشر هو العظيم الكذب، قاله السدي.
الثاني : أنه البطر، ومنه قول الشاعر :

أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى
الثالث : أنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها. ﴿ إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَة فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ﴾ أما الاصطبار فهو الافتعال من الصبر وأصل الطاء تاء أبدلت بطاء ليكون اللفظ أسهل مخرجاً ويعذب مسمعاً. وروى أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر فغزا رسول الله ﷺ تبوك، قال :« أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَسْأَلُوا عَن هَذِهِ الآياتِ [ هؤلاء ] قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُم أَن يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُم آيَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُم نَاقَةً فَكَانَتْ تَرِدُ مِن ذَلَكِ الفَجَ فَتَشْرَبُ مَاءَهُم يَوْمَ وُرُودِهَا وَيَحْلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَيَصْدِرُونَ عَن ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَنَبِئّهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم ﴾ » الآية.
وفيه وجهان :
أحدهما : أن الناقة تحضر الماء يوم ورودهم، وتغيب عنهم يوم ورودها، قاله مقاتل.
الثاني : أن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحلبون.
﴿ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : انه أحمر إرم وشقيها، قاله قتادة، وقد ذكره زهير في شعره فقال :
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
الثاني : أنه قدار بن سالف، قاله محمد بن إسحاق، وقد ذكره الأفوه في شعره :
أو بعده كقدار حين تابعه على الغاوية أقوام فقد بادوا
﴿ فَتَعَاطَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن معناه بطش بيده، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه تناولها وأخذها، ومنه قول حسان بن ثابت :
كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل
﴿ فَعَقَرَ ﴾ قال محمد بن إسحاق : كَمَنَ لها قدار في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدر سقبها [ من بطنها وانطلق سقبها ] حتى اتى صخرة في رأس الجبل فرغا ثم لاذ بها، فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقروها بكى ثم قال : انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله.


الصفحة التالية
Icon