﴿ يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ﴾
﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾.
﴿ بعث في الأميين رسولاً منهم ﴾ يعني في العرب، وفي تسميتهم أميين قولان : أحدهما : لأنه لم ينزل عليهم كتاب، قاله ابن زيد.
الثاني : لأنهم لم يكونوا يكتبون ولا كان فيهم كاتب، قاله قتادة.
ثم فيهم قولان :
أحدهما : أنهم قريش خاصة لأنها لم تكن تكتب حتى تعلم بعضها في آخر الجاهلية من أهل الحيرة.
الثاني : أنهم جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا قليل، قاله المفضل.
فلو قيل : فما وجه الامتنان بأن بعث نبياً أمياً؟
فالجواب عنه ثلاثة أوجه :
احدها : لموافقته ما تقدمت بشارة الأنبياء به.
الثاني : لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم.
الثالث : لينتفي عنه سوء الظن في تعلمه ما دعا إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها.
﴿ يتلوا عليهم ءاياته ﴾ يعني القرآن.
﴿ ويزكيهم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني : يطهرهم من الكفر والذنوب، قاله ابن جريج ومقاتل.
الثالث : يأخذ زكاة أعمالهم، قاله السدي.
﴿ ويعلمهم الكتاب ﴾ فيه ثلاثة تلأويلات :
أحدها : أنه القرآن، قاله الحسن.
الثاني : أنه الخط بالقلم، قاله ابن عباس، لأن الخط إنما فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط.
الثالث : معرفة الخير والشر كما يعرفونه بالكتاب ليفعلوا الخير ويكفوا عن الشر، وهذا معنى قول محمد بن إسحق.
﴿ والحكمة ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الحكمة السنة، قاله الحسن.
الثاني : أنه الفقه في الدين، وهو قول مالك بن أنس.
الثالث : أنه الفهم والاتعاظ، قاله الأعمش.
﴿ وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم ﴾ أي ويعلم آخرين ويزكيهم، وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم المسلمون بعد الصحابة، قاله ابن زيد.
الثاني : أنهم العجم بعد العرب، قاله الضحاك وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال :« رأيت في منامي غنماً سوداً تتبعها غنم عفر » فقال أبو بكر : يا رسول الله تلك العرب يتبعها العجم، فقال :« كذلك عبرها لي الملك ».
الثالث : أنهم الملوك أبناء الأعاجم، قاله مجاهد.
الرابع : أنهم الأطفال بعد الرجال. ويحتمل خامساً : أنهم النساء بعد الرجال.
﴿ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها النبوة التي خص الله بها رسوله هي فضل الله يؤتيه من يشاء، قاله مقاتل.
الثاني : الإسلام الذي آتاه الله من شاء من عباده، قاله الكلبي.
الثالث : ما روي أنه قيل يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، فأمر ذوي الفاقة بالتسبيح والتحميد والتكبير بدلاً من التصدق بالأموال، ففعل الأغنياء مثل ذلك، فقيل لرسول الله ﷺ فقال :« ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهَ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ » قاله أبو صالح.
ويحتمل خامساً : أنه انقياد الناس إلى تصديقه ﷺ ودخولهم في دينه ونصرته.


الصفحة التالية
Icon