﴿ يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ﴾ في السعي إليها أربعة أقاويل :
أحدها : النية بالقلوب، قاله الحسن.
الثاني : أنه العمل لها، كما قال تعالى :﴿ إن سعيكم لشتى ﴾ قاله ابن زيد.
الثالث : أنه إجابة الداعي، قاله السدي.
الرابع : المشي على القدم من غير إسراع، وذكر أن عمر وابن مسعود كانا يقرآن ﴿ فامضوا إلى ذكر الله ﴾.
وفي ذكر الله ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها موعظة الإمام في الخطبة، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني : أنها الوقت، حكاه السدي.
الثالث : أنه الصلاة، وهو قول الجمهور.
وكان اسم يوم الجمعة في الجاهلية العروبة، لأن أسماء الأيام في الجاهلية كانت غير هذه الأسماء، فكانوا يسمون يوم الأحد أوّل، والأثنين أهون، والثلاثاء جبار، والأربعاء دبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار، وأنشدني بعض أهل الأدب :
أؤمل أن أعيش وإن يومي | بأوّل أو أهون أو جبار |
أو التالي دبار أو فيومي | يمؤنس أو عروبة أو شيار |
﴿ وذروا البيع ﴾ منع الله منه عند صلاة الجمعة وحرمه في وقتها على ما كان مخاطباً بفرضها. وفي وقت التحريم قولان :
أحدهما : أنه بعد الزوال [ إلى ما ] بعد الفراغ منها، قاله الضحاك.
الثاني : من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة، قاله الشافعي رحمه الله فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس به لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها، وقد كان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد، فجعله [ عثمان ] آذانين في المسجد، وليس يحرم البيع بعده وقبل الخطبة، فإن عقد في هذا الوقت المحرم بيع لم يبطل البيع وإن كان قد عصى الله، لأن النهي مختص بسبب يعود إلى العاقدين دون العقد، وأبطله ابن حنبل تمسكاً بظاهر النهي.
﴿ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾ يعني أن الصلاة خير لكم من البيع والشراء لأن الصلاة تفوت بخروج وقتها، والبيع لا يفوت.
﴿ فإذا قضيت الصلاة ﴾ يعني أُدّيتْ.
﴿ فانتشروا في الأرض ﴾ حكي عن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فرضيتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين.
﴿ وابتغوا من فضل الله ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : الرزق من البيع والشراء، قاله مقاتل والضحاك.
الثاني : العمل في يوم السبت، قاله جعفر بن محمد.
الثالث : ما رواه أبو خلف عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، قال : ليس بطلب الدنيا لكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله. »