﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ﴾ الآية.
روى سعيد بن جبير أن النبي ﷺ كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل منه حتى يصلي فيه، فلما كانت غزوة تبوك بلغة أن ابن أُبَيّ قال : لئن رجعنا إلى المدينة لِيُخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فارتحل قبل أن ينزل آخرُ الناس، وقيل لعبد الله بن أُبيّ : ائت النبي ﷺ حتى يستغفر لك، فلوى رأسه، وهذا معنى قوله :﴿ لوَّوْا رؤوسَهم ﴾ إشارة إليه وإلى أصحابه، أي حركوها، وأعرضوا يمنة ويسرة إلى غير جهة المخاطب ينظرون شزراً.
ويحتمل قولاً ثانيا : أن معنى قوله ﴿ يستغفر لكم رسول الله ﴾ يستتيبكم من النفاق لأن التوبة استغفار.
وفيما فعله عبد الله بن أبيّ حين لوى رأسه وجهان :
أحدهما : أنه فعل ذلك استهزاء وامتناعاً من فعل ما دعي إليه من إتيان الرسول للاستغار له، قاله قتادة.
الثاني : أنه لوى رأسه بمعنى ماذا قلت، قاله مجاهد.
﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يمتنعون، قال الشاعر :
صدَدْتِ الكاسَ عنا أُمَّ عمرو | وكان الكأسُ مجراها اليمينا |
صَدَّقَ هُرَيْرةُ عنّا ما تُكَلِّمنا | جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حبل من تصل |
أحدهما : عما دُعوا إليه من استغفار الرسول ﷺ.
الثاني : عن الإخلاص للإيمان.
﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : متكبرون.
الثاني : ممتنعون.
﴿ هم الذين يقولون لا تُنفِقوا على مَنْ عِندَ رسولِ الله ﴾ الآية يعني عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، وسببه أن النبي ﷺ بعد انكفائه من غزاة بني المصطلق في شعبان سنة ست نزل على ماء المريسيع، فتنازع عليه جهجاه، وكان مسلماً وهو رجل من غفار، ورجل يقال له سنان، وكان من أصحاب عبد الله بن أُبي، فلطمه جهجاه، فغضب له عبد الله بن أُبيّ وقال : يا معاشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك، أوطأنا هذا الرجلَ ديارنا وقاسمْناهم أموالَنا ولولانا لانفضوا عنه، ما لهم، رد الله أمرهم إلى جهجاه، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فسمعه زيد بن أرقم وكان غلاماً، فأعاده على رسول الله ﷺ فاعتذر له قومه، فأنزل الله هذه الآية والتي بعدها.
﴿ ولله خزائن السموات والأرض ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خزائن السموات : المطر، وخزائن الأرضين : النبات.
الثاني : خزائن السموات : ما قضاه، وخزائن الأرضين : ما أعطاه.
وفيه لأصحاب الخواطر ( ثالث ) : أن خزائن السموات : الغيوب، وخزائن الأرض القلوب.