﴿ يا أيها الذين آمَنوا قُوا أَنفُسَكم وأهْليكم ناراً ﴾ قال خيثمة : كل شيء في القرآن يا أيها الذين آمنوا ففي التوراة يا أيها المساكين.
وقال ابن مسعود : إذا قال اللَّه يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه.
وقال الزهري : إذا قال اللَّه تعالى : يا أيها الذين آمنوا افعلوا، فالنبي منهم.
ومعنى قوله :﴿ قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ﴾ أي اصرفوا عنها النار، ومنه قول الراجز :

ولو توقى لوقاه الواقي وكيف يوقى ما الموت لاقي
وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه قوا أنفسكم، وأهلوكم فليقوا أنفسهم ناراً، قاله الضحاك.
الثاني : قوا أنفسكم ومروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيكم اللَّه بهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
الثالث : قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم، قاله علي وقتادة ومجاهد.
وفي الوصية التي تقيهم النار ثلاثة أقاويل :
أحدها : يأمرهم بطاعة اللَّه وينهاهم عن معصيته، قاله قتادة.
الثاني : يعلمهم فروضهم ويؤدبهم في دنياهم، قاله علي.
الثالث : يعلمهم الخير ويأمرهم به، ويبين لهم الشر، وينهاهم عنه.
قال مقاتل : حق ذلك عليه في نفسه وولده وعبيده وإمائه.
﴿ وَقودها الناسُ والحجارةُ ﴾ في ذكر الحجارة مع الناس ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الحجارة التي عبدوها، حتى يشاهدوا ما أوجب مصيرهم إلى النار، وقد بين اللّه ذلك في قوله ﴿ إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم ﴾.
الثاني : أنها حجارة من كبريت وهي تزيد في وقودها النار وكان ذكرها زيادة في الوعيد والعذاب، قاله ابن مسعود ومجاهد.
الثالث : أنه ذكر الحجارة ليعلموا أن ما أحرق الحجارة فهو أبلغ في إحراق الناس.
روى ابن أبي زائدة قال : بلغني أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم ﴾ الآية، وعنده بعض أصحابه، ومنهم شيخ فقال الشيخ : يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ فقال والذي نفسي بيده لصخرة من جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها، فوقع الشيخ مغشياً عليه، فوضع النبي ﷺ يده على فؤاده فإذا هو حي، فقال : يا شيخ قل لا إله إلا اللَّه، فقال بها، فبشره بالجنة، فقال أصحابه : يا رسول اللَّه أمِن بيننا؟ قال : نعم لقول اللَّه تعالى :﴿ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ﴾.
﴿ عليها ملائكة غِلاظٌ شدادٌ ﴾ يعني غلاظ القلوب، شداد الأفعال وهم الزبانية.
﴿ لا يعْصُون اللّه ما أمرهم ﴾ أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان.
﴿ ويَفْعلون ما يُؤْمَرونَ ﴾ يعني في وقته فلا يؤخرونه ولا يقدمونه.
﴿ يا أيها الذين آمنوا تُوبوا إلى اللَّه تَوْبةً نَصوحاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدهها : أن التوبة النصوح هي الصادقة الناصحة، قاله قتادة.


الصفحة التالية
Icon