﴿ وأنّا مِنّا الصّالحونَ ﴾ يعني المؤمنين.
﴿ ومنّا دون ذلك ﴾ يعني المشركين.
ويحتمل أن يريد بالصالحين أهل الخير، وب « دون ذلك » أهل الشر ومن بين الطرفين على تدريج، وهو أشبه في حمله على الإيمان والشرك لأنه إخبار منهم عن تقدم حالهم قبل إيمانهم.
﴿ كُنّا طَرائقِ قِدَداً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني فِرقاً شتى، قاله السدي.
الثاني : أدياناً مختلفة، قاله الضحاك.
الثالث : أهواء متباينة، ومنه قول الراعي :

القابض الباسط الهادي بطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قِدَدُ
﴿ وأنّا لّما سَمِعْنا الهُدَى آمَنّا به ﴾ يعني القرآن سمعوه من النبي ﷺ فآمنوا به وصدقوه على رسالته، وقد كان رسول الله مبعوثاً إلى الجن والإنس.
قال الحسن : بعث اللَّه محمداً إلى الإنس والجن ولم يبعث الله تعالى رسولاً من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء، وذلك قوله تعالى :﴿ وما أرسَلْنا مِن قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى ﴾.
﴿ فمن يؤمن بربّه فلا يخافُ بخساً ولا رَهقاً ﴾ قال ابن عباس :
لا يخاف نقصاً في حسناته، ولا زيادة في سيئاته، لأن البخس النقصان، والرهق : العدوان، وهذا قول حكاه الله عن الجن لقوة إيمانهم وصحة إسلامهم، وقد روى عمار بن عبد الرحمن عن محمد بن كعب قال : بينما عمر بن الخطاب جالساً ذات يوم إذ مرّ به رجل، فقيل له : أتعرف المارّ يا أمير المؤمنين؟ قال : ومن هو؟ قالوا : سواد بن قارب رجل من أهل اليمن له شرف، وكان له رئيّ من الجن، فأرسل إليه عمر فقال له : أنت سواد بن قارب؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين، قال : وأنت الذي أتاك رئيّ من الجن يظهر لك؟ قال : نعم بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رئي من الجن فضربني برجله وقال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالي واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول :
عجبْتُ للجنّ وتطلابها وشدِّها العِيسَ بأذْنابها.
تهوي إلى مكة تبغي الهُدَى ما صادقُ الجن ككذّابها.
فارْحَلْ إلى الصفوةِ من هاشمٍ فليس قد أتاها كاذباً بها.
فقلت دعني أنام فإني أمسيت ناعساً، ولم أرفع بما قاله رأساً، فلما كان الليلة الثانية أتاني فضربني برجله، وقال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول :


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
عجبْتُ للجنّ وتخيارها وشدِّها العيس بأكوارها.
تهوي إلى مكة تبغي الهدي ما مؤمن الجن ككفّارِها
فارحلْ إلى الصفوةِ من هاشمٍ ما بين رابيها وأحجارها.