﴿ واهْجُرهم هَجْراً جَميلاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : اصفح عنهم وقل سلام، قاله ابن جريج.
الثاني : أن يعرض عن سفههم ويريهم صغر عداوتهم.
الثالث : أنه الهجر الخالي من ذم وإساءة.
وهذا الهجر الجميل قبل الإذن في السيف.
﴿ وذَرْني والمُكَذِّبينَ أُولي النّعْمةِ ﴾ قال يحيى بن سلام :
بلغني أنهم بنو المغيرة، وقال سعيد بن جبير : أُخبرت أنهم اثنا عشر رجلاً من قريش.
ويحتمل قوله تعالى :« أولي النّعْمةِ » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قال تعريفاً لهم إن المبالغين في التكذيب هم أولي النعمة.
الثاني : أنه قال ذلك تعليلاً، أي الذين أطغى هم أولوا النعمة.
الثالث : أنه قال توبيخاًً أنهم كذبوا ولم يشكروا من أولاهم النعمة.
﴿ ومهِّلْهم قليلاً ﴾ قال ابن جريج : إلى السيف.
﴿ إنّ لدينا أنْكالاً وجَحيماً ﴾ في « أنكالاً » ثلاثة أوجه :
أحدها : أغلالاً، قاله الكلبي.
الثاني : أنها القيود، قاله الأخفش وقطرب، قالت الخنساء :

دَعاك فَقَطّعْتَ أنكاله وقد كُنّ قبْلك لا تقطع.
الثالث : أنها أنواع العذاب الشديد، قاله مقاتل، وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال :« إن الله تعالى يحب النكل على النكل، قيل : وما النكل؟ قال : الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب » ومن ذلك سمي القيد نكلاً لقوته، وكذلك الغل، وكل عذاب قوي واشتد.
﴿ وطعاماً ذا غُصَّةٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولايخرج، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها شجرة الزقوم، قاله مجاهد.
﴿ وكانت الجبالُ كَثيباً مَهيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : رملاً سائلاً، قاله ابن عباس.
الثاني : أن المهيل الذي إذا وطئه القدم زل من تحتها وإذا أخذت أسفله انهال أعلاه، قاله الضحاك والكلبي.
﴿ فأخَذْناه أَخْذاً وبيلاً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدهما : شديداً، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : متتابعاً، قاله ابن زيد.
الثالث : ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر العظيم وابل، قاله الزجاج.
الرابع : مهلكاً، ومنه قول الشاعر :
أكْلتِ بَنيكِ أَكْلَ الضّبِّ حتى وَجْدتِ مرارةَ [ الكلإ الوبيل ].
﴿ فكيف تتّقونَ ﴾ يعني يوم القيامة.
﴿ إن كفَرتم يوماً يجْعَل الولدان شيباً ﴾ الشيب : جمع أشيب، والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه، وهو الحين الذي يقلع فيه ذو التصابي عن لهوه، قال الشاعر :
طرْبتَ وما بك ما يُطرِب وهل يلعب الرجلُ الأَشْيَبُ
وإنما شاب الولدان في يوم القيامة من هوْله.
﴿ السماءُ مُنفطرٌ به ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : ممتلئة به، قاله ابن عباس.
الثاني : مثقلة، قاله مجاهد.
الثالث : مخزونة به، قاله الحسن.
الرابع : منشقة من عظمته وشدته، قاله ابن زيد.
﴿ وكانَ وعْدُه مَفْعولاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وعده بأن السماء منفطر به، وكون الجبال كثيباً مهيلاً، وأن يجعل الولدان شيباً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : وعده بأن يظهر دينه على الدين كله، قاله مقاتل.
الثالث : وعده بما بشّر وأنذر من ثوابه وعقابه.
وفي المعنى المكنى عنه في قوله « به » وجهان :
أحدهما : أن السماء منفطرة باليوم الذي يجعل الولدان شيباً، فيكون اليوم قد جعل الولدان شيباً، وجعل السماء منفطرة ويكون انفطارها للفناء.
الثاني : معناه أن السماء منفطرة بما ينزل منها بأن يوم القيامة يجعل الولدان شيباً، ويكون انفطارها بانفتاحها لنزول هذا القضاء منها.


الصفحة التالية
Icon