﴿ ألمْ يَجِدْك يتيماً فآوَى ﴾ واليتيم بموت الأب، وقد كان رسول الله ﷺ فقد أبويه وهو صغير، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات فكفله عمه أبو طالب، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد يتم الأبوة بموت من فقده من أبويه، فعلى هذا في قوله تعالى « فآوى » وجهان :
أحدهما : أي جعل لك مأوى لتربيتك، وقيمّاً يحنو عليك ويكفلك وهو أبو طالب بعد موت عبد الله وعبد المطلب، قاله مقاتل.
الثاني : أي جعل لك مأوى نفسك، وأغناك عن كفالة أبي طالب، قاله الكلبي.
والوجه الثاني : أنه أراد باليتيم الذي لا مثيل له ولا نظير، من قولهم درة يتيمة، إذا لم يكن لها مثيل، فعلى هذا في قوله « فآوى » وجهان :
أحدهما : فآواك إلى نفسه واختصك برسالته.
الثاني : أن جعلك مأوى الأيتام بعد أن كنت يتيماً، وكفيل الأنام بعد أن كنت مكفولاً، تذكيراً بنعمه عليه، وهو محتمل.
﴿ وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدَى ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه، قاله ابن عيسى.
الثاني : ووجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها، قاله الطبري.
الثالث : ووجد قومك في ضلال فهداك إلى إرشادهم، وهذا معنى قول السدي.
الرابع : ووجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها.
الخامس : ووجدك ناسياً فأذكرك، كما قال تعالى :﴿ أن تَضِل إحداهما ﴾.
السادس : ووجدك طالباً القبلة فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى الطلب، لأن الضال طالب.
السابع : ووجدك متحيراً في بيان من نزل عليك فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحير، لأن الضال متحير.
الثامن : ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع، لأن الضال ضائع.
التاسع : ووجدك محباً للهداية فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قوله تعالى :﴿ قالوا تاللَّه إنك لفي ضلالك القديم ﴾ أي في محبتك، قال الشاعر :

هذا الضلال أشاب مِنّي المفرقا والعارِضَيْن ولم أكنْ مُتْحقّقاً
عَجَباً لَعِزّةَ في اختيارِ قطيعتي بعد الضّلالِ فحبْلُها قد أخْلقاً
وقرأ الحسن : ووجدَك ضالٌّ فهُدِي، أي وجَدَك الضالُّ فاهتدى بك، ﴿ ووجَدَك عائلاً فأَغْنَى ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : وجدك ذا عيال فكفاك، قاله الأخفش، ومنه قول جرير :
الله أنْزَلَ في الكتابِ فَرِيضةً لابن السبيل وللفقير العائلِ
الثاني : فقيراً فيسَّر لك، قاله الفراء، قال الشاعر :
وما يَدْري الفقيرُ متى غناه وما يَدْري الغنيُّ متى يَعيِلُ
أي متى يفتقر.
الثالث : أي وجدك فقيراً من الحُجج والبراهين، فأغناك بها.
الرابع : ووجدك العائلُ الفقير فأغناه الله بك، روي أن النبي ﷺ قال بصوته الأعلى ثلاث مرات :« يَمُنّ ربي عليّ وهو أهلُ المَنّ »
﴿ فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَرْ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : فلا تحقر، قاله مجاهد.
الثاني : فلا تظلم، رواه سفيان.


الصفحة التالية
Icon