الثاني : كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان.
ويحتمل ثالثاً : كذب بالرسول وتولى عن القبول.
﴿ ألم يَعْلَمْ بأنَّ الله يَرَى ﴾ يعني أبا جهل، وفيه وجهان :
أحدهما : ألم تعلم يا محمد أن الله يرى أبا جهل؟
الثاني : ألم تعلم يا أبا جهل أن الله يراك؟
وفيه وجهان :
أحدهما : يرى عمله ويسمع قوله.
الثاني : يراك في صلاتك حين نهاك أبو جهل عنها.
ويحتمل ثالثاً : يرى ما همّ به أبو جهل فلا يمكنه من رسوله.
﴿ كلا لئِن لم يَنْتَهِ لنسفعاً بالنّاصِيةِ ﴾ يعني أبا جهل، وفيه وجهان :
أحدهما : يعني لنأخذن بناصيته، قاله ابن عباس، وهو عند العرب أبلغ في الاستذلال والهوان، ومنه قول الخنساء :

جززنا نواصي فرسانهم وكانوا يظنّون أنْ لن تُجَزَّا
الثاني : معناه تسويد الوجوه وتشويه الخلقة بالسفعة السوداء، مأخوذ من قولهم قد سفعته النار أو الشمس إذا غيرت وجهه إلى حالة تشويه، وقال الشاعر :
أثافيَّ سُفْعاً مُعَرَّس مِرَجلٍ ونُؤْياً كجِذم الحوضِ لم يَتَثَلّمِ
والناصية شعر مقدم الرأس، وقد يعبّر بها عن جملة الإنسان، كما يقال هذه ناصية مباركة إشارة إلى جميع الإنسان.
ثم قال :﴿ ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ ﴾ يعني ناصية أبي جهل كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.
﴿ فلْيَدْعُ نادِيَةُ ﴾ يعني أبا جهل، والنادي مجلس أهل الندى والجود ومعنى « فليدع نادية » أي فليدع أهل ناديه من عشيرة أو نصير.
﴿ سَنَدْعُ الزّبانِيةَ ﴾ والزبانية هم الملائكة من خزنة جهنم، وهم أعظم الملائكة خلقاً وأشدهم بطشاً، والعرب تطلق هذا الإسم على من اشتد بطشه، قال الشاعر :
مَطاعيمُ في القُصْوى مَطاعينُ في الوَغى زبانيةٌ غُلْبٌ عِظَامٌ حُلومها
﴿ كلا لا تُطِعْهُ ﴾ قال أبو هريرة : كلا لا تطع أبا جهل في أمره.
ويحتمل نهيه عن طاعته وجهين :
أحدهما : لا تقبل قوله إن دارك ولا رأيه إن قاربك.
الثاني : لا تجبه عن قوله، ولا تقابله على فعله، ومنه ما روي عن النبي ﷺ أنه قال :« اللهم لا تطع فينا مسافراً » أي لا تجب دعاءه لأن المسافر يدعو بانقطاع المطر فلو أجيبت دعوته لهلك الناس.
﴿ واسْجُدْ واقْتَرِبْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : اسجد أنت يا محمد مصلياً، واقترب أنت يا أبا جهل من النار، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : اسجد أنت يا محمد في صلاتك لتقرب من ربك، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى إذا سجد له.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : أنزل في أبي جهل أربع وثمانون آية، وأنزل في الوليد بن المغيرة مائة وأربع آيات، وأنزل في النضر بن الحارث اثنتان وثلاثون آية.
وإذا كانت هذه أول سورة نزلت على رسول الله ﷺ في قول الأكثرين فقد روي في ترتيب السور بمكة والمدينة أحاديث، أوفاها ما رواه آدم ابن أبي أناس عن أبي شيبة شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني قال : بلغنا أن هذا ما نزل من القرآن بمكة والمدينة الأول فالأول، فكان أول ما نزل فيما بلغنا :« اقرأ باسم ربك » ثم « ن والقلم، المزمل، المدثر، تبّت، إذا الشمس كورت، سبّح اسم ربك، الليل، الفجر، الضحى، ألم نشرح، العصر، العاديات، الكوثر، ألهاكم، أرأيت، الكافرون، الفيل، الفلق، الإخلاص، النجم، عبس، القدر، والشمس، البروج، التين، لإيلاف، القارعة، القيامة، الهُمزة، المرسلات، ق، البلد، الطارق، القمر، ص، الأعراف، قل أوحى، يس، الفرقان، الملائكة، مريم، طه، الواقعة، الشعراء، النمل، القصص، بنو إسرائيل، يونس، هود، يوسف، الحجر، الأنعام، الصافات، لقمان، سبأ، الزمر، المؤمن، حم السجدة، عسق، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، الذاريات، الغاشية، الكهف، النحل، نوح، إبراهيم، الأنبياء، قد أفلح، السجدة، الطور، الملك، الحاقة، سأل سائل، النبأ، النازعات، الانفطار، الانشقاق، الروم، العنكبوت، المطففين.


الصفحة التالية
Icon