الثاني : أنهم في الدنيا عند غلبة الأهواء يصدرون فرقاً، فبعضهم مؤمن، وبعضهم كافر، وبعضهم محسن، وبعضهم مسيء، وبعضهم محق، وبعضهم مبطل.
﴿ ليُرَوْا أَعْمالَهم ﴾ يعني ثواب أعمالهم يوم القيامة.
ويحتمل ثالثاً : أنهم عند النشور يصدرون أشتاتاً من القبور على اختلافهم في الأمم والمعتقد بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من اتفاق أو اختلاف ليروا أعمالهم في موقف العرض من خير أو شر فيجازون عليها بثواب أو عقاب، والشتات : التفرق والاختلاف، قال لبيد :

إنْ كُنْتِ تهْوينَ الفِراقَ ففارقي لا خيرَ في أمْر الشتات
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه ﴾ في هذه الآية ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن معنى يَرَه أي يعرفْهُ.
الثاني : أنه يرى صحيفة عمله.
الثالث : أن يرى خير عمله ويلقاه.
وفي ذلك قولان :
أحدهما : يلقى ذلك في الآخرة، مؤمناً كان أو كافراً، لأن الآخرة هي دار الجزاء.
الثاني : أنه إن كان مؤمناً رأى جزاء سيئاته في الدنيا، وجزاء حسناته في الآخرة حتى يصير إليها وليس عليه سيئة.
وإن كان كافراً رأى جزاء حسناته في الدنيا، وجزاء سيئاته في الآخرة حتى يصير إليها وليس له حسنة، قاله طاووس.
ويحتمل ثالثاً : أنه جزاء ما يستحقه من ثواب وعقاب عند المعاينة في الدنيا ليوفاه في الآخرة.
ويحتمل المراد بهذه الآية وجهين :
أحدهما : إعلامهم أنه لا يخفى عليه صغير ولا كبير.
الثاني : إعلامهم أنه يجازي بكل قليل وكثير.
وحكى مقاتل بن سليمان أنها نزلت في ناس بالمدينة كانوا لا يتورعون من الذنب الصغير من نظرة أو غمزة أو غيبة أو لمسة، ويقولون إنما وعد الله على الكبائر، وفي ناس يستقلون الكسرة والجوزة والثمرة ولا يعطونها، ويقولون إنما نجزى على ما تعطيه ونحن نحبه، فنزل هذا فيهم.
وروي أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي ﷺ يستقرئه، فقرأ عليه هذه الآية، فقال صعصعة : حسبي حسبي إن عملت مثقال ذرة خيراً رأيته، وإن عملت مثقال ذرة شراً رأيته.
وروى أبو أيوب الأنصاري : قال كان رسول الله ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه يتغذيان إذا نزلت هذه السورة، فقاما وأمسكا.


الصفحة التالية
Icon