واختلف في النجاشي هل كان معهم أم لا، فقال قوم : كان معهم، وقال الآخرون : لم يكن معهم.
وتوجه الجيش إلى مكة لإحراق الكعبة، فلما ولى عبد المطلب بإبله احترزها في جبال مكة، وتوجه إلى مكة من طريق منى، وكان الفيل إذا بعث إلى الحرم أحجم، وإذا عدل به عنه أقدم، قال محمد بن إسحاق : كان اسم الفيل محمود، وقالت عائشة : رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين مقعدين يستطعمان أهل مكة.
ووقفوا بالمغمّس فقال عبد الله بن مخزوم :

أنت الجليل ربنا لم تدنس أنت حبست الفيل بالمغمّس
حبسته في هيئة المكركس وما لهم من فرجٍ ومنفسِ.
المكركس : المطروح المنكوس.
وبصر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر، فقال عبد المطلب : إن هذه لطير غريبة بأرضنا، ما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية، وإنها أشباه اليعاسيب، وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة، فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم حتى هلكوا، قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية فبانت، ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم، وقال عطية العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري : فقال : حمام مكة منها.
وأفلت من القوم أبرهة ورجع إلى اليمن فهلك في الطريق.
وقال الواقدي : أبرهة هو جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله ﷺ فلما أيقنوا بهلاك القوم، قال الشاعر :
أين المفر والإله الطالبْ والأَشرمُ المغلوبُ ليس الغالبْ
يعني بالأشرم أبرهة، سمي بذلك لأن أرياط ضربه بحربة فشرم أنفة وجبينه، أي وقع بعضه على بعض.
وقال أبو الصلت بن مسعود، وقيل بل قاله عبد المطلب :
إنّ آياتِ ربِّنا ناطِقاتٌ لا يُماري بهنّ إلا الكَفُور.
حَبَسَ الفيلَ بالمغّمس حتى مَرَّ يعْوي كأنه مَعْقورُ.
﴿ ألمْ يَجْعَلْ كَيْدَهم في تَضْليل ﴾ لأنهم أرادوا كيد قريش بالقتل والسبي، وكيد البيت بالتخريب والهدم.
يحكى عن عبد المطلب بعد ما حكيناه عنه أنه أخذ بحلقة الباب وقال :


الصفحة التالية
Icon