﴿ قُل يا أيُّها الكافِرونَ ﴾ الآيات، ذكر محمد بن إسحاق أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد. ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما بيديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ فصار حرف الأمر في هذه السورة وسورة الإخلاص والمعوذتين متلوّاً، لأنها نزلت جواباً، عنى بالكافرين قوماً معينين، لا جميع الكافرين، لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول فمنهم المذكورون.
﴿ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدونَ ﴾ يعني من الأوثان.
﴿ ولا أنتم عابدون ما أَعْبُدُ ﴾ يعني الله تعالى وحده، الآيات.
فإن قيل : ما فائدة هذا التكرار؟
قيل : فيه وجهان : أحدهما : أن قوله في الأول « لا أعبد » و « لا تعبدون » يعني في الحال، وقوله الثاني : يعني في المستقبل، قاله الأخفش.
الثاني : أن الأول في قوله « لا أعبد » و « لا أنتم » الآية يعني في المستقبل، والثاني : إخبار عنه وعنهم في الماضي، فلم يكن ذلك تكراراً لاختلاف المقصود فيهما.
فإن قيل : فلم قال « ما أَعْبُدُ » ولم يقل « من أَعبُدُ »؟
قيل : لأنه مقابل لقوله :﴿ ولا أنا عابد ما عَبَدْتُم ﴾ وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا « ما » دون « من » فحمل الثاني على الأول ليتقابل الكلام ولا يتنافى.
﴿ لكم دِينكم ولي دينِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لكم دينكم الذي تعتقدونه من الكفر، ولي ديني الذي أعتقده من الإسلام، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : لكم جزاء عملكم، ولي جزاء عملي.
وهذا تهديد منه لهم، ومعناه وكفى بجزاء عملي ثواباً، قاله ابن عيسى.
قال ابن عباس : ليس في القرآن سورة أشد لغيظ إبليس من هذه السورة، لأنها توحيد وبراءة من الشرك.


الصفحة التالية
Icon