الثاني : جعلنا بدلاً منكم ملائكة.
﴿ فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : ملائكة يخلف بعضها بعضاً، قاله قتادة.
الثاني : ملائكة يكونون خلفاً منكم، قاله السدي.
الثالث : ملائكة يعمرون الأرض بدلاً منكم، قاله مجاهد.
الرابع : ملائكة يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن القرآن علم الساعة لما فيه من البعث والجزاء، قاله الحسن وسعيد بن جبير.
الثاني : أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إسحاق.
الثالث : أن خروج عيسى علم الساعة لأنه من علامة القيامة وشروط الساعة، قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، والسدي. وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله ﷺ :« الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ لَعِلاَّتُ أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ، أَنَا أَولَى النَّاسِ بِعيسَى ابنِ مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَيسَ بَينِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ أَوَّلُ نَازِلٍ، فَيَكْسَرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخنزيرَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلاَمِ ».
وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا : إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا قول مردود لثلاثة أمور : للحديث الذي قدمناه، ولأن بقاء الدنيا يقتضي بقاء التكليف فيها، ولأنه ينزل آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى مقصوراً على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.
وحكى مقاتل أن عيسى ينزل من السماء على ثنية جبل بأرض الشام يقال له أفيف.
﴿ فَلاَ تَمْتَرُونَّ بِهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تشكون فيها يعني الساعة. قاله يحيى بن سلام.
الثاني : فلا تكذبون بها، قاله السُدي.
﴿ وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقِيمٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : القرآن صراط مستقيم إلى الجنة، قاله الحسن.
الثاني : عيسى، قاله ابن عباس.
الثالث : الإسلام، قاله يحيى.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبِيِّنَاتِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنه الإنجيل، قاله قتادة.
الثاني : أنه الآيات التي جاء بها من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، والإخبار بكثير من الغيوب، قاله ابن عباس.
﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالنبوة، قاله السدي.
الثاني : بعلم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أن الحكمة الإنجيل الذي أنزل عليه.
﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : تبديل التوراة، قاله مجاهد.
الثاني : ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم، حكاه ابن عيسى.
وفي قوله :﴿ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ أي كل الذي تختلفون فيه، فكان البعض هنا بمعنى الكل ما اقتصرعلى بيان بعض دون الكل، قاله الأخفش، وأنشد لبيد :

ترّاك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها
والموت لا يعتلق النفوس دون بعض.
الثاني : أنه بين لهم بعضه دون جميعه، ويكون معناه أبين لكم بعض ذلك أيضاً وأكلكم في بعضه إلى الاجتهاد، وأضمر ذلك لدلالة الحال عليه.
قوله تعالى :﴿ فَاخْتَلَفَ الأَحَْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾ قال قتادة يعني ﴿ مِن بَيْنِهِم ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى خالف بعضهم بعضاً، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : فرق النصارى من النسطورية واليعاقبة والملكية اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية : هو ابن الله. وقالت اليعاقبة هو الله. وقالت الملكية ثالث ثلاثة أحدهم الله، قاله الكلبي ومقاتل.


الصفحة التالية
Icon