ص : ١١٩
التجارة الخاسرة التي تضمنت حصول الضلالة والرضى بها، وبذل الهدى في مقابلتها، وحصول الظلمات التي هي الضلالة والرضى بها، بدلا عن النور الذي هو الهدى والنور، فبذلوا الهدى والنور، وتعوضوا عنه بالظلمة والضلالة، فيا لها من تجارة ما أخسرها! وصفقة ما أشد غبنها!.
وتأمل كيف قال اللّه تعالى : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فوحده، ثم قال :
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ فجمعها. فإن الحق واحد، وهو صراط اللّه المستقيم، الذي لا صراط يوصل إليه سواه، وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا بالأهواء والبدع، وطرق الخارجين عما بعث اللّه به رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، من الهدى ودين الحق، بخلاف طرق الباطل.
فإنها متعددة متشعبة. ولهذا يفرد اللّه سبحانه الحق ويجمع الباطل، كقوله تعالى : ٢ : ٢٥٧ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ وقال تعالى : ٦ : ١٥٣ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فجمع سبيل الباطل، ووحد سبيل الحق. ولا يناقض هذا قوله تعالى : ٥ : ١٦ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ فإن تلك هي طرق مرضاته التي يجمعها سبيله الواحد، وصراطه المستقيم. فإن طرق مرضاته كلها ترجع إلى صراط واحد وسبيل واحد، وهي سبيله التي لا سبيل إليه إلا منها. و
قد صح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه :«خط خطا مستقيما، وقال : هذا سبيل اللّه، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال : هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى : وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وقد قيل : إن هذا مثل للمنافقين وما يوقدونه من نار الفتنة التي يوقعونها بين أهل الإسلام، ويكون بمنزلة قول اللّه تعالى : ٥ : ٦٤ كُلَّما أَوْقَدُوا


الصفحة التالية
Icon