ص : ١٣٦
قد ظن الزمخشري أن قوله : اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً خطاب لآدم وحواء خاصة، وعبر عنهما بالجمع لاستتباعهما ذرياتهما. قال : والدليل عليه قوله تعالى : ٧٠ : ١٢٣ قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ قال : ويدل على ذلك قوله : فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم، ومعنى قوله : بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم بعضا.
وهذا الذي اختاره أضعف الأقوال في الآية. فإن العداوة التي ذكرها اللّه تعالى إنما هي بين آدم وإبليس وذريتهما، كما قال تعالى : ٣٥ : ٦ إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا وهو سبحانه قد أكد أمر العداوة بين الشيطان والإنسان، وأعاد وأبدى ذكرها في القرآن لشدة الحاجة إلى التحرز من هذا العدو. وأما آدم وزوجه فإنه إنما أخبر في كتابه أنه خلقها له ليسكن إليها وجعل بينهما مودة ورحمة «١». فالمودة والرحمة بين الرجل وامرأته والعداوة بين الشيطان والإنسان. وقد تقدم ذكر آدم وزوجه وإبليس، وهم ثلاثة، فلما ذا يعود الضمير على بعض المذكور، مع منافرته لطريق الكلام دون جميعه؟ مع أن اللفظ والمعنى يقتضيه. فلم يصنع الزمخشري شيئا.
وأما قوله تعالى في سورة طه : ٢٠ : ١٢٣ قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فهذا خطاب لآدم وحواء. وقد جعل بعضهم لبعض عدوا، فالضمير في قوله اهْبِطا مِنْها إما أن يرجع إلى آدم وزوجته، وإما أن يرجع إلى آدم وإبليس، ولم يذكر الزوجة لأنها تبع له.