ص : ١٤٣
الْعالَمِينَ
ومعلوم أنهم لم يسوهم برب العالمين في الخلق والربوبية، وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم.
هذا حال قلب المؤمن : توحيد اللّه وذكر رسوله مكتوبان فيه، لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة. ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته، ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفه. وكان اللّه سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره اللّه لعبده : هو أن يشرك به في الحب والتعظيم، فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره كما يحب اللّه تعالى ويعظمه قال تعالى : ٢ : ١٦٥ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب اللّه تعالى، وأن المؤمن أشد حبا للّه من كل شيء. وقال أهل النار في النار : ٢٦ : ٩٧، ٩٨ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ومن المعلوم : أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأليه والعبادة، وإلا فلم يقل أحد قط : إن الصنم أو غيره من الأنداد مساو لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله، وفي خلق السموات والأرض، وفي خلق عابده أيضا. وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
وأيضا من هؤلاء وأسوأ حالا من سوّى كل شيء باللّه سبحانه في الوجود، وجعله وجود كل موجود، كامل أو ناقص، فإذا كان اللّه قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوّى بينه وبين الأصنام في الحب، مع اعتقاد تفاوت ما بين اللّه وبين خلقه في الذات والأوصاف والأفعال، فكيف بمن سوّى اللّه بالموجودات في جميع ذلك، بل كيف بمن جعل ربه كل هذه الموجودات؟
وزعم أن من عبد حجرا أو شجرا، أو حيوانا فما عبد غير اللّه في كل معبود.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧١]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١)