ص : ١٥
إما أن يكون عاملا بموجبه أو مخالفا له. فهذه أقسام المكلفين. لا يخرجون عنها البتة. فالعالم بالحق العامل به : هو المنعم عليه. وهو الذي زكّى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح. وهو المفلح ٩١ : ٩ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها والعالم به المتبع هواه هو. المغضوب عليه. والجاهل بالحق : هو الضال. والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل. والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل. فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به. ومن هاهنا كان اليهود أحقّ به. وهو متغلظ في حقهم. كقوله تعالى في حقهم ٢ : ٩٠ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ : أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ قال تعالى : ٥ : ٦٠ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ. والجاهل بالحق : أحق باسم الضلال. ومن هنا وصفت النصارى به في قوله تعالى : ٥ : ٧٧ قُلْ : يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ، وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً، وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ فالأولى : في سياق الخطاب مع اليهود.
والثانية : في سياقه مع النصارى. و
في الترمذي وصحيح ابن حبّان : من حديث عدي بن حاتم قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«اليهود مغضوب عليهم.
والنصارى ضالون» «١».
ففي ذكر المنعم عليهم- وهم من عرف الحق واتبعه- والمغضوب عليهم- وهم من عرفه واتبع هواه- والضالين- وهم من جهله- : ما يستلزم ثبوت الرسالة والنبوة. لأن انقسام الناس إلى ذلك هو الواقع المشهود. وهذه القسمة إنما أوجبها ثبوت الرسالة. وأضاف النعمة إليه، وحذف فاعل الغضب لوجوه.