ص : ١٥٤
وجده محترقا كله كالصريم. فأي حسرة أعظم من حسرته؟.
قال ابن عباس : هذا مثل الذي يختم له بالفساد في آخر عمره. وقال مجاهد : هذا مثل المفرط في طاعة اللّه حتى يموت. وقال السدي : هذا مثل المرائي في نفقته الذي ينفق لغير اللّه، ينقطع عنه نفعها أحوج ما يكون إليه.
وسأل عمر بن الخطاب الصحابة يوما عن هذه الآية فقالوا له : اللّه أعلم. فغضب عمر. وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس :
في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. قال : قل يا ابن أخي، ولا تحقر نفسك. قال : ضرب مثلا لعمل. قال : لأي عمل؟ قال : لرجل غني يعمل بالحسنات، ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله كلها.
قال الحسن : هذا مثل، قلّ واللّه من يعقله من الناس : شيخ كبير ضعف جسمه، وكثر صبيانه، فقد جنته أحوج ما كان إليها. وإن أحدكم واللّه لأفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا.
فصل
فإن عرض لهذه الأعمال- من الصدقات- ما يبطلها من المن والأذى والرياء. فالرياء يمنع انعقادها سببا للثواب. والمن والأذى : يبطل الثواب التي كانت سببا له فمثل صاحبها، وبطلان عمله كَمَثَلِ صَفْوانٍ وهو الحجر الأملس عليه تراب فَأَصابَهُ وابِلٌ وهو المطر الشديد فَتَرَكَهُ صَلْداً لا شيء عليه.
وتأمل أجزاء هذا المثل البليغ وانطباقها على أجزاء الممثل به، تعرف عظمة القرآن وجلالته.
فإن الحجر في مقابلة قلب هذا المرائي المانّ والمؤذي. فقلبه في قسوة عن الإيمان والإخلاص والإحسان بمنزلة الحجر. والعمل الذي عمله لغير اللّه