ص : ١٩
الطريق الموصل إلى اللّه واحد. وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه. لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق. ولو أتى الناس من كل طريق، واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة، إلا من هذا الطريق الواحد. فإنه متصل باللّه، موصل إلى اللّه، قال اللّه تعالى :
١٥ : ٤١ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قال الحسن معناه : صراط إليّ مستقيم. وهذا يحتمل أمرين : أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض، فقامت أداة «على» مقام «إلى» والثاني : أنه أراد التفسير على المعنى. وهو الأشبه بطريق السلف. أي صراط موصل إلي وقال مجاهد «١» : الحق يرجع إلى اللّه، وعليه طريقه، لا يعرّج على شيء.
وهذا مثل قول الحسن وأبين منه. وهو من أصح ما قيل في الآية. وقيل :
«على» فيه للوجوب، أي عليّ بيانه والدلالة عليه. والقولان نظير القولين في آية النحل. وهي : ١٦ : ٩ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ والصحيح فيها كالصحيح في آية الحجر : أن السبيل القاصد- وهو المستقيم المعتدل- يرجع إلى اللّه، ويوصل إليه قال طفيل الغنوي :
مضوا سلفا، قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تقلب
أي ممرنا عليهم، وإليهم وصولنا. وقال الآخر :
فهن المنايا : أيّ واد سلكته عليها طريقي، أو عليّ طريقها
فإن قيل : لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة «إلى» التي هي للانتهاء، لا أداة «على» التي هي للوجوب. ألا ترى أنه لما أراد الوصول
قال الأعمش : كنت إذا رأيت مجاهدا تراه مغموما، فقيل له في ذلك فقال :
أخذ عبد اللّه يعني ابن عباس بيدي ثم أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيدي وقال لي :«يا عبد اللّه كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»
مات مجاهد بمكة وهو ساجد سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. (انظر شذرات الذهب).