ص : ١٩٣
بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ
وقال تعالى : ٣٥ : ٢٥ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ حتى أن من أخفى آيات الرسل : آيات هود حتى قال له قومه يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ومع هذا فبينته من أظهر البينات. وقد أشار إليها بقوله ١١ : ٥٤ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ، وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فهذا من أعظم الآيات : أن رجلا واحدا يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب، في غير جزع ولا فزع، ولا خور، بل هو واثق بما قاله جازم به. قد أشهد اللّه أولا على براءته من دينهم وما هم عليه، إشهاد واثق به، معتمد عليه، معلم لقومه أنه سبحانه وليه وناصره، وغير مسلطهم عليه، ثم أشهدهم إشهاد مجاهر لهم بالمخالفة : أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون، ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتها، ثم أكد عليهم ذلك بالاستهانة بهم، واحتقارهم، وازدرائهم، وأنهم لو يجتمعون كلهم على كيده، وشفاء غيظهم منه، ثم يعاجلونه ولا يمهلونه، وفي ضمن ذلك : أنهم أضعف وأعجز وأقل من ذلك، وأنكم لو رمتموه لانقلبتم بغيظكم مكبوتين مخذولين.
ثم قرر دعوته أحسن تقرير، وبين أن ربه تعالى وربهم الذي نواصيهم بيده هو وليه ووكيله، القائم بنصره وتأييده، وأنه على صراط مستقيم. فلا يخذل من توكل عليه، وآمن به، ولا يشمت به أعداءه، ولا يكون معهم عليه. فإن صراطه المستقيم الذي هو عليه في قوله وفعله : يمنع ذلك ويأباه.
وتحت هذا الخطاب : أن من صراطه المستقيم : أن ينتقم ممن خرج عنه، وعمل بخلافه، وينزل به بأسه. فإن الصراط المستقيم : هو العدل الذي الرب تعالى عليه. ومنه : انتقامه من أهل الشرك والإجرام، ونصره