ص : ٢٦٣
والثاني : مكروه له مبغوض مسخوط، وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه اللّه وندب إليه، وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزجر والتحذير. وهو أنه لا يحب فاعله، ومن لم يحبه اللّه فأي خير يناله؟.
وفي قوله : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ عقب قوله : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم.
فقسمت الآية الناس إلى قسمين : داع للّه تضرعا وخفية، ومعتد بترك ذلك.
فصل
وقوله تعالى : وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها.
قال أكثر المفسرين : لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة اللّه بعد إصلاح اللّه إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة اللّه. فإن عبادة غير اللّه والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره. قال تعالى : ٣٠ : ٤١ ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ وقال عطية في الآية : ولا تعصوا في الأرض، فيمسك اللّه المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم. وقال غير واحد من السلف : إذا قحط المطر فإن الدواب تلعن عصاة بني آدم، وتقول : اللهم ألعنهم، فبسببهم أجدبت الأرض وقحط المطر.
وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير اللّه وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون اللّه وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول. فإذا أمر