ص : ٢٦٧
أدائكم لمطلوبه منكم وهو الإحسان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم.
فإن اللّه هو الغني الحميد، وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وقوله : إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ له دلالة بمنطوقه ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان ودلالته بتعليله وإيمائه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان فهو السبب في قرب الرحمة منهم ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين. فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة، وإنما أختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم لأنها إحسان من اللّه أرحم الراحمين وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان لأن الجزاء من جنس العمل فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته. وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة بعدا ببعد وقربا بقرب، فمن تقرب بالإحسان تقرب اللّه إليه برحمته ومن تباعد عن الإحسان تباعد اللّه عنه برحمته. واللّه سبحانه يحب المحسنين ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه اللّه فرحمته أقرب شيء منه ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه. والإحسان هاهنا هو فعل المأمور به سواء كان إحسانا إلى الناس أو إلى نفسه. فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى اللّه والإقبال عليه والتوكل عليه وأن يعبد اللّه كأنه يراه إجلالا ومهابة وحياء ومحبة وخشية فهذا هو مقام الإحسان كما
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«و قد سأله جبريل عن الإحسان فقال :«أن تعبد اللّه كأنك تراه»
وإذا كان هذا هو الإحسان فرحمة اللّه قريب من صاحبه، فإن اللّه إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به وإنما كتب رحمته : لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ والذين يتبعون رسوله فهؤلاء هم أهل الرحمة، كما أنهم هم المحسنون، وكما أحسنوا جوزوا بالإحسان. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ يعني هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه؟ قال بان عباس : هل جزاء من قال لا إله إلا اللّه وعمل بما جاء به محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إلا الجنة؟.
وقد ذكر ابن أبي شيبة وغيره من حديث الزبير بن عدي عن أنس بن