ص : ٢٨٢
وقد تقدم في أول الآية أن اللّه تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته ومن أهل سؤاله بإجابته، وذكرنا شواهد ذلك، وأن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده كما أن العبد قرب من ربه الإحسان، وأن من تقرب منه شبرا تقرب اللّه منه ذراعا ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا. فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين ورحمته قريبة منهم، قربه يستلزم قرب رحمته. ففي حذف التاء هاهنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن اللّه تعالى قريب من المحسنين وذلك يستلزم القربين قربه وقرب رحمته. ولو قال إن رحمة اللّه قريبة من المحسنين لم يدل على قربه تعالى منهم، لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته والأعم لا يستلزم الأخص بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم وهو قرب رحمته فلا تستهن بهذا المسلك. فإن له شأنا. وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب. وما أظن صاحب هذا المسلك قصد هذا المعنى ولا ألم به. وإنما أراد أن الإخبار عن قرب اللّه تعالى من المحسنين كاف عن الاخبار عن قرب رحمته منهم.
فهو مسلك سابع : في الآية وهو المختار، وهو من أليق ما قيل فيها.
وإن شئت قلت قربه تبارك وتعالى من المحسنين وقرب رحمته منهم متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر فإذا كانت رحمته قريبة منهم فهو أيضا قريب منهم، وإذا كان المعنيان متلازمين صح إرادة كل واحد منهما، فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين من التحريض على الإحسان واستدعائه من النفوس وترغيبها فيه غاية حظ لها وأشرفه وأجله على الإطلاق، وهو أفضل إعطاء أعطيه العبد وهو قربه تبارك وتعالى من عبده الذي هو غاية الأماني ونهاية الآمال وقرة العيون وحياة القلوب وسعادة العبد كلها فكان في العدول عن قريبة إلى قريب من استدعاء الإحسان وترغيب النفوس فيه ما لا يتخلف بعده إلا غلبت عليه من شقاوته ولا قوة إلا باللّه.


الصفحة التالية
Icon