ص : ٣٥٠
قد مدح اللّه سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه. هذا منها.
والمتوسمون : هم المتفرسون الذين يأخذون بالسيماء، وهي العلامة.
يقال : توسمت فيك كذا، أي تفرسته، كأنها أخذت من السيماء، وهي فعلاء من السمة، وهي العلامة.
وقال تعالى : ٤٧ : ٣٠ وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وقال تعالى : ٢ : ٢٧٣ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ وفي الترمذي مرفوعا «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللّه» «١» ثم قرأ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.
وقال في مدارج السالكين :
قال مجاهد رحمه اللّه : المتوسمين المتفرسين. وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : للناظرين. وقال قتادة : للمقرين، وقال مقاتل : للمتفكرين.
ولا تنافي بين هذه الأقوال. فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم، وما آل إليه أمرهم، أورثه فراسة وعبرة وفكرة. وقال تعالى في حق المنافقين وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ فالأول فراسة النظر والعين. والثاني فراسة الأذن والسمع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه يقول : علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط، بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم فقال : وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وهو تعريض الخطاب، وفحوى الكلام ومغزاه.
واللحن ضربان. صواب وخطأ.
فلحن الصواب نوعان. أحدهما : الفطنة. و
منه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للمتخاصمين «و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض».

(١) أخرجه الترمذي برقم ٣١٢٧.


الصفحة التالية
Icon