ص : ٣٩٨
قد رضوا بها واطمأنوا إليها، وقدموها على السنة والقرآن إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ أوجبه لهم اتباع الهوى، ونخوة الشيطان، وهم لأجله يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان.
فصل
القسم الثاني : أهل الجهل والظلم، الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والظلم لأنفسهم باتباع أهوائهم، الذين قال اللّه تعالى فيهم ٥٣ : ٢٣ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى.
وهؤلاء قسمان :
أحدهما : الذين يحسبون أنهم على علم وهدى، وهم أهل الجهل والضلال، فهؤلاء أهل الجهل المركب، الذين يجهلون الحق ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالونه، ويوالون أهله ٥٨ : ١٨ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ.
فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب، الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي لا يخون صاحبه أحوج ما هو إليه. ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان. كما هو حال من أمّ السراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك : أنه وجد عنده أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى، فحسب له ما عنده من العلم والعمل، فوفاه إياه بمثاقيل الذر.
وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه، فجعله هباء منثورا، إذ لم يكن خالصا لوجهه، ولا على سنة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوما نافعة كذلك هباء منثورا، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه.