ص : ٤٠
عزة. وهي كمال القدرة، وعن حكمة، وهي كمال العلم. فمن غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني [لا يكون قادرا حكيما عليما. فلا يكون ذلك إلا عجزا] فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة وعلم تام وحكمة تضع بها الأشياء مواضعها فهذا. أحسن من ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع، الدال ذكره على التعريض بطلب المغفرة في غير حينها وقد فاتت. فإنه لو قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم. كان في هذا من الاستعطاف والتعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقها ما نزه عنه منصب المسيح عليه السلام، لا سيما والموقف موقف عظمة وجلال، وموقف انتقام ممن جعل للّه ولدا، أو اتخذ إلها من دونه. فذكر العزة والحكمة فيه أليق من ذكر الرحمة والمغفرة.
وهذا بخلاف قول الخليل عليه السلام : ١٤ : ٣٥ و٣٦ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولم يقل : فإنك عزيز حكيم. لأن المقام مقام استعطاف وتعريض بالدعاء، أي إن تغفر له وترحمه، بأن توفقه للرجوع من الشرك إلى التوحيد، ومن المعصية إلى الطاعة كما
في الحديث :«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وفي هذا أظهر الدلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعان قامت به، وأن كل اسم يناسب ما ذكر معه، واقترن به، من فعله وأمره. واللّه الموفق للصواب.
فصل
في مراتب الهداية الخاصة والعامة وهي عشر مراتب المرتبة الأولى : مرتبة تكليم اللّه عز وجل لعبده يقظة بلا واسطة، بل منه إليه. وهذه أعلى مراتبها، كما كلم موسى بن عمران صلوات اللّه وسلامه على نبينا وعليه. قال اللّه تعالى : ٤ : ١٦٤ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً