ص : ٤٠١
ثم إن تلك الأمواج مغشاة بسحاب.
فههنا ظلمات : ظلمة البحر اللجى، وظلمة الموج الذي فوقه، وظلمة السحاب الذي فوق ذلك كله. إذا أخرج من في هذا البحر يده لم يكد يراها.
واختلف في معنى ذلك :
فقال كثير من النحاة : هو نفي لمقاربة رؤيتها. وهو أبلغ من نفيه الرؤية، وأنه قد ينفي وقوع الشيء ولا ينفي مقاربته. فكأنه قال : لم يقارب رؤيتها بوجه.
قال هؤلاء :«كاد» من أفعال المقاربة، لها حكم سائر الأفعال في النفي والإثبات. فإذا قيل : كاد يفعل فهو إثبات مقاربة الفعل. فإذا قيل : لم يكد يفعل : فهو نفي لمقاربة الفعل.
وقالت طائفة أخرى : بل هذا دال على أنه إنما يراها بعد جهد شديد.
وفي ذلك إثبات رؤيتها بعد أعظم العسر، لأجل تلك الظلمات.
قالوا : لأن «كاد» لها شأن ليس لغيرها من الأفعال. فإنها إذا أثبتت نفت، وإذا نفت أثبتت، فإذا قلت : ما كدت أصل إليك. فمعناه : وصلت إليك بعد الجهد والشدة : فهذا إثبات للوصول. وإذا قلت : كاد زيد يقوم.
فهي نفي لقيامه، كما قال تعالى : ٧٢ : ١٩ وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ومنه قوله تعالى : ٦٨ : ٥١ وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وأنشد بعضهم في ذلك لغزا.
أنحوي هذا العصر : ما هي لفظة جرت في لسان جرهم وثمود
وإذا استعملت في صورة النفي أثبتت فإن أثبتت قامت مقام جحود؟
وقالت فرقة ثالثة، منهم أبو عبد اللّه بن مالك وغيره : إن استعمالها مثبتة يقتضى نفي خبرها، كقولك : كاد زيد يقوم : واستعمالها منفية يقتضى


الصفحة التالية
Icon