ص : ٤٠٤
وقال في أعلام الموقعين :
ذكر سبحانه للكافرين مثلين : مثلا بالسراب، ومثلا بالظلمات المتراكمة وذلك لأن المعرضين عن الهدى والحق نوعان.
أحدهما : من يظن أنه على شيء، فيتبين له عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه، وهذه حال أهل الجهل، وأهل البدع والأهواء، الذين يظنون أنهم على هدى وعلم. فإذا انكشفت الحقائق تبين لهم أنهم لم يكونوا على شيء، وأن عقائدهم وأعمالهم التي ترتبت عليها كانت كسراب بقيعة، يرى في عين الناظر ماء ولا حقيقة له، وهكذا الأعمال التي لغير اللّه، وعلى غير أمره، يحسبها العامل نافعة له، وليست كذلك. وهذه الأعمال التي قال اللّه عز وجل فيها ٢٥ : ٢٣ وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.
وتأمل جعل اللّه سبحانه السراب بالبقيعة- وهي الأرض القفراء الخالية من البناء، والشجر والنبات والعالم- فجعل السراب أرض قفر لا شيء بها، والسراب لا حقيقة له، وذلك مطابق لأعمالهم وقلوبهم التي أقفرت من الإيمان والهدى.
وتأمل ما تحت قوله : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً والظمآن : الذي قد اشتد عطشه فرأى السراب فظنه ماء فتبعه، فلم يجده شيئا، بل خانه أحوج ما كان إليه. فكذلك هؤلاء لما كانت أعمالهم على غير طاعة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ولغير اللّه جعلت كالسراب، فرفعت لهم أظمأ ما كانوا وأحوج ما كانوا إليها فلم يجدوا شيئا، ووجدوا اللّه سبحانه ثمّ فجازاهم بأعمالهم، ووفاهم حسابهم.
وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث التجلي يوم القيامة «ثم يؤتى بجهنم، تعرض كأنها السراب، فيقال لليهود :
ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : كنا نعبد عزير ابن اللّه، فيقال : كذبتم، لم يكن للّه صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون : نريد أن تسقينا، فيقال لهم :