ص : ٤٠٦
المضادة للنور : نظير المثلين اللذين ضربهما اللّه للمنافقين والمؤمنين، وهما المثل المائي، والمثل الناري، وجعل حظ المؤمنين منهما الحياة والإشراق، وحظ المنافقين منهما الظلمة المضادة للنور، والموت المضاد للحياة، فكذلك الكفار في هذين المثلين. حظهم من الماء السراب الذي يغر الناظر ولا حقيقة له، وحظهم الظلمات المتراكمة.
وهذا يجوز أن يكون المراد به حال كل طائفة من طوائف الكفار، وأنهم عدموا مادة الحياة والإضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون المثلان صفتين لموصوف واحد.
ويجوز أن يكون المراد به تنويع أحوال الكفار، وأن أصحاب المثل الأول هم الذين عملوا على غير علم ولا بصيرة، بل على جهل وحسن ظن بالأسلاف فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأصحاب المثل الثاني : هم الذين استحبوا الضلالة على الهدى، وآثروا الباطل على الحق، وعموا عنه بعد أن أبصروه، وجحدوه بعد أن عرفوه، فهذا حال المغضوب عليهم، والأول حال الضالين.
وحال الطائفتين مخالف لحال المنعم عليهم المذكورين في قوله تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ- إلى قوله- لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا، وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.
فتضمنت الآيات أوصاف الفرق الثلاثة المنعم عليهم، وهم أهل النور، والضالين، وهم أصحاب السراب، والمغضوب عليهم : وهم أهل الظلمات المتراكمة، واللّه أعلم.
فالمثل الأول من المثلين : لأصحاب العمل الباطل الذي لا ينفع.
والمثل الثاني : لأصحاب العلم الذي لا ينفع، والاعتقادات الباطلة،


الصفحة التالية
Icon